سرقة القرن أمام المرآة
الاحد / 10 / جمادى الأولى / 1444 هـ - 02:10 - الاحد 4 ديسمبر 2022 02:10
ظهر رئيس الحكومة العراقية الأحد الماضي أمام الكاميرات في مشهد استعراضي، محاطا بكومة من الدولارات والدنانير العراقية التي تعادل ما يزيد على 121 مليون دولار، وقدمها على أنها أولى خطوات تفكيك الفساد المنظم في العراق، فيما بات يعرف بين الأوساط العراقية بمخطط سرقة القرن، إذ ظهر هذا المصطلح في أواخر أيام حكومة مصطفى الكاظمي، بعد مراجعة وزارة المالية التي أفادت بأن الهيئة العامة للضرائب دفعت بأساليب احتيالية مبالغ تصل إلى 2.5 مليار دولار لخمس شركات.
وكان رجل الأعمال نور زهير جاسم، المتهم الأول الذي يمثل إحدى تلك الاحتيالات، من خلال الصلات الوثيقة التي تربط بينه وبين مطار بغداد الدولي، ونظرا لأن الفصائل السياسية في العراق كانت قد تنافست بالدم والنار للسيطرة على الوزارات والهيئات الحكومية، فإن فرضية ضلوع القادة السياسيين في هذا النهب تقترب من درجة اليقين، لكن محاسبتهم ومكاشفة الرأي العام بحقيقة الاختلال السياسي المؤدي إلى هذا الفساد هو على النقيض من ذلك الافتراض تماما.
وبعد إشعال السوداني للرأي العام العراقي بهذا المشهد غادر الثلاثاء الماضي إلى طهران، ليبدأ زيارة رسمية على وقع الضربات العسكرية التي ينفذها الحرس الثوري الإيراني على مواقع ومقرات لأحزاب كردية ناشطة في إقليم كردستان العراق، ويتجالس من خلال زيارته مع مرشد اللادولة الإيرانية الأعلى خامنئي، ليسمع منه تشكيكا في قدرة العراق على ضبط الحدود بين البلدين، وبسط نفوذه على كامل الشريط الحدودي لصد «مؤامرة صهيوأمريكية» تستهدف إيران منذ ثلاثة أشهر، أي منذ اشتعال التظاهرات على مقتل مهسا أميني، وهذا يؤشر إلى أن النوايا الإيرانية تحدث نفسها عن مكان تصل إليه قواتها في العمق العراقي، خاصة إذا ما نظرنا إلى التحشيد الهائل للقوات الإيرانية على الحدود العراقية، والانصياع الأعمى خلف الرغبة الإيرانية للميليشيات في الداخل العراقي.
والمفارقة هنا، هي أن الأحزاب الكردية كانت قد دخلت في تحالفات سياسية مع قوى شيعية موالية للنظام الإيراني في السلطة العراقية، مثل الإطار التنسيقي، وهذا ليس من شأنه ضمان سلامة إقليم كردستان من ناحية الحدود الإيرانية فقط؛ بل إنه يطبع العار على زيارة رئيس الحكومة العراقية لطهران أثناء استمرار القصف على حلفائه الذين منحوه هو وحكومته ثقتهم؛ لذا ما يتوجب على السيد السوداني فعله عقب هذه الزيارة هو أن يقف وحيدا ليس أمام الكاميرات هذه المرة، بل أمام المرآة ليجالس ضميره وليس خامنئي، ويسأله عن سرقة القرن الحقيقية، فهو يعلم جيدا أن مبلغ 2.5 مليار دولار يصبح كالهباءة إذا ما استذكر سرقة الدولة العراقية بكامل مقدراتها وثرواتها وولاءاتها منذ أفول النظام البعثي وسيطرة النظام الدعوي على السلطة؛ ولهذا السبب فقط ظلت العراق عاجزة عن الدفاع عن نفسها وعن سيادتها، وظلت مرتهنة إلى واردات الكهرباء والغاز المكلفة من إيران، وعلقت أمنها الغذائي والمائي على المزاج محكم الإغلاق بالعمامة الفارسية، ولهذا السبب أيضا لا يثق المجتمع الإقليمي بقدرة العراق على صون سيادته واسترجاع دولته.
نعم، يستشري الفساد في الدولة العراقية، ولكنه يبدأ من النخبة السياسية الموالية لإيران وينتهي إليها، لذا إذا ما أراد السوداني أن يفكك المخطط الحقيقي لسرقة القرن ويكسب ثقة المجتمع الإقليمي والدولي، فعليه أن ينظم وينظف الداخل العراقي ويقلل من اعتماد بلاده على إيران أولا، وأن يذهب بعد ذلك إلى دول المركز العربي طالبا المشاريع الاقتصادية، ولا سيما على صعيد الكهرباء والأمن الغذائي، ومقدما في الوقت ذاته التزاما في انتهاج العراق سياسة خارجية قائمة على مبدأ التوازن البناء الذي يحافظ على جسور الثقة التي بناها سلفه مصطفى الكاظمي وابتعادها عن سياسة المناورة، وبالتالي فهو مطالب أيضا بتقديم ضمانات أمنية للإقليم بعدم انطلاق أية تهديدات من الأراضي العراقية، من شأنها زعزعة حالة الأمن العربي مجددا.
9oba_91@
وكان رجل الأعمال نور زهير جاسم، المتهم الأول الذي يمثل إحدى تلك الاحتيالات، من خلال الصلات الوثيقة التي تربط بينه وبين مطار بغداد الدولي، ونظرا لأن الفصائل السياسية في العراق كانت قد تنافست بالدم والنار للسيطرة على الوزارات والهيئات الحكومية، فإن فرضية ضلوع القادة السياسيين في هذا النهب تقترب من درجة اليقين، لكن محاسبتهم ومكاشفة الرأي العام بحقيقة الاختلال السياسي المؤدي إلى هذا الفساد هو على النقيض من ذلك الافتراض تماما.
وبعد إشعال السوداني للرأي العام العراقي بهذا المشهد غادر الثلاثاء الماضي إلى طهران، ليبدأ زيارة رسمية على وقع الضربات العسكرية التي ينفذها الحرس الثوري الإيراني على مواقع ومقرات لأحزاب كردية ناشطة في إقليم كردستان العراق، ويتجالس من خلال زيارته مع مرشد اللادولة الإيرانية الأعلى خامنئي، ليسمع منه تشكيكا في قدرة العراق على ضبط الحدود بين البلدين، وبسط نفوذه على كامل الشريط الحدودي لصد «مؤامرة صهيوأمريكية» تستهدف إيران منذ ثلاثة أشهر، أي منذ اشتعال التظاهرات على مقتل مهسا أميني، وهذا يؤشر إلى أن النوايا الإيرانية تحدث نفسها عن مكان تصل إليه قواتها في العمق العراقي، خاصة إذا ما نظرنا إلى التحشيد الهائل للقوات الإيرانية على الحدود العراقية، والانصياع الأعمى خلف الرغبة الإيرانية للميليشيات في الداخل العراقي.
والمفارقة هنا، هي أن الأحزاب الكردية كانت قد دخلت في تحالفات سياسية مع قوى شيعية موالية للنظام الإيراني في السلطة العراقية، مثل الإطار التنسيقي، وهذا ليس من شأنه ضمان سلامة إقليم كردستان من ناحية الحدود الإيرانية فقط؛ بل إنه يطبع العار على زيارة رئيس الحكومة العراقية لطهران أثناء استمرار القصف على حلفائه الذين منحوه هو وحكومته ثقتهم؛ لذا ما يتوجب على السيد السوداني فعله عقب هذه الزيارة هو أن يقف وحيدا ليس أمام الكاميرات هذه المرة، بل أمام المرآة ليجالس ضميره وليس خامنئي، ويسأله عن سرقة القرن الحقيقية، فهو يعلم جيدا أن مبلغ 2.5 مليار دولار يصبح كالهباءة إذا ما استذكر سرقة الدولة العراقية بكامل مقدراتها وثرواتها وولاءاتها منذ أفول النظام البعثي وسيطرة النظام الدعوي على السلطة؛ ولهذا السبب فقط ظلت العراق عاجزة عن الدفاع عن نفسها وعن سيادتها، وظلت مرتهنة إلى واردات الكهرباء والغاز المكلفة من إيران، وعلقت أمنها الغذائي والمائي على المزاج محكم الإغلاق بالعمامة الفارسية، ولهذا السبب أيضا لا يثق المجتمع الإقليمي بقدرة العراق على صون سيادته واسترجاع دولته.
نعم، يستشري الفساد في الدولة العراقية، ولكنه يبدأ من النخبة السياسية الموالية لإيران وينتهي إليها، لذا إذا ما أراد السوداني أن يفكك المخطط الحقيقي لسرقة القرن ويكسب ثقة المجتمع الإقليمي والدولي، فعليه أن ينظم وينظف الداخل العراقي ويقلل من اعتماد بلاده على إيران أولا، وأن يذهب بعد ذلك إلى دول المركز العربي طالبا المشاريع الاقتصادية، ولا سيما على صعيد الكهرباء والأمن الغذائي، ومقدما في الوقت ذاته التزاما في انتهاج العراق سياسة خارجية قائمة على مبدأ التوازن البناء الذي يحافظ على جسور الثقة التي بناها سلفه مصطفى الكاظمي وابتعادها عن سياسة المناورة، وبالتالي فهو مطالب أيضا بتقديم ضمانات أمنية للإقليم بعدم انطلاق أية تهديدات من الأراضي العراقية، من شأنها زعزعة حالة الأمن العربي مجددا.
9oba_91@