أخبار للموقع

عنترة بن شداد.. ذاكرة الشعر والشعور

رحل قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، ولكنه لم يغب عن المشهد وواصل الحضور بالقصيدة والحكاية، الشاعر والفارس عنترة بن شداد العبسي الذي عاش بين الفترة '525م - 608م'، ويرجع موطنه إلى مدينة غاف الجواء بمنطقة القصيم، يعود مجدداً عبر فعاليات 'مهرجان عنترة الثقافي' الذي تنظِّمُه وزارة الثقافة بدعمٍ من برنامج جودة الحياة 'أحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030'، من خلال أسلوب مبتكر، ورحلة ثقافية متكاملة تمتد على فترة سبعة أيام من 27 نوفمبر وحتى 3 ديسمبر 2022، في تظاهرة حيوية وتفاعلية تلقي الضوء على حياته وقصته مع محبوبته 'عبلة'، التي وثَّقها في معلقته الشعرية المسجلة من بين المعلقات السبع الشهيرة، إلى جانب لمحة من فصول قصته وفروسيته وشجاعته بوصفه أيقونة إنسانية مزجت بين الوحشية اللازمة للحرب؛ والرقة المنسابة في أوردة الحب. عنترة بن شداد القائل في معلقته الذهبية 'هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَـرَدَّمِ/ أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ'، يبرهن أنه لم يغادر طالما إرثه ما زال حياً، وملهماً، ونابضاً بالشجاعة، ومقاوماً للتجاوز والنسيان، انتصر في معركته ضد التهميش، واستحق جدارة الفوز بانتباه معشوقته 'عبلة' مسجلاً قصته على جدران القلوب قبل العقول، شاهداً بعد حين على أن المكان مستودع للبقاء وأن الزمان مسافة لمواصلة الهطول، ومحفزاً وزارة الثقافة على إعادة تقديم تجربته ضمن مبادرتها في مسار الشعر العربي؛ بهدف الاحتفاء بالأسماء التي ظهرت من قلب الجزيرة العربية، وكان لها تأثير لافت في مسيرة الإبداع العربي منذ العصور الأولى، تجارب أسست الثقافة العربية، واستحقت إحياء مكانتهم الثقافية عبر قوالب إبداعية تُسهم في تعزيز حضورهم في الحياة المعاصرة، وتُعرِّف الأجيال الحالية بالمخزون الثقافي العربي على مرِّ التاريخ وفي مختلف الأزمنة. استثمار ثقافي تجسده الطريقة الحديثة في استعراض قصة الشاعر عنترة بن شداد من خلال محاكاة لكافة تفاصيل حياته، متجاوزةً التلقي إلى المعايشة، كاشفة عن الدوافع والظروف والأسباب وكيفية ما حدث وصولاً إلى توثيق النتائج والبطولات، فعالية مسرحية تسافر إلى الماضي وتوظفه في ضوء الحاضر من خلال تسعة مواقع في 'مهرجان عنترة الثقافي' تغطي جوانب الحكاية بتناغم مع العصر الحديث، بداية بالمعرض التفاعلي 'ديار عنترة' والذي يقدم محطات مهمة في حياة الفارس العربي بواسطة شاشات عرض جاذبة، مروراً بمنطقة الأطفال التي تتنوع أنشطتها بين تعليم الفروسية والتلوين والرسم والاستماع لأبيات من شعر عنترة؛ تمنح الأطفال لمحة إثرائية وثقافية في نموذج ترفيهي. وقوفاً عند صخرة 'النصلة' حيث يتعرف الزائر على شخصية عبلة وتأثيرها على معشوقها، وارتباط الصخرة بحكايتهم، جلوساً أمام 'مسرح عنترة' للاستماع لقصائده وحضور جلسات نقاشية مع مختصين وخبراء في أجواء فنية وشاعرية، وتأملاً في الدهشة بالوصول إلى 'مكتبة عنترة' وفيها قائمة من الكتب التي وثقت حياة الشاعر، وتأثيره، ودراسات تحليلية في سيرته، ومعايشة لمعركة عنترة عبر مقاربة للنقطة المفصلية ما بين تجاهل القبيلة لعنترة ثم اعترافهم وتمجيدهم لشخصيته بفضل بسالته في حروب داحس والغبراء، وبوجود منطقة القهوة السعودية للتعرف على تاريخها وطقوسها وطريقة تحضيرها في مختلف المناطق السعودية، ختاماً منطقة المطاعم وهي مساحة لاكتشاف اللذة والمذاق للمأكولات المحلية الشعبية والعالمية في المجلس السعودي. فعاليات 'مهرجان عنترة الثقافي' تسلط الضوء على حكاية الشاعر عنترة بن شداد بشكل مركز، ولكنها في الوقت نفسه تعرف بالمكان، وأبعاد الحكاية، والتفرعات التي تخلقها البطولة والعزيمة والبصمة التي تظل محمية من التجاهل، وتحفز الأطفال والأجيال للانتماء والتعرف على أمجاد الأجداد، وأن لكل زمن تحدياته وفرصه للحضور وتخليد الفرادة، مسجلة وزارة الثقافة عبر هذه الفعالية منهجية تستثمر التاريخ للإلهام، وابتكار القوالب الإبداعية المتناغمة مع التقنيات الحديثة وأساليب نقل المعلومة العصرية، مبرهنة على واقعية واحد من أهدافها الرئيسية والمتمثل في جعل 'الثقافة نمط حياة'.