مصلح والاستثمار ومكرونة البرشو/ ميل!
الثلاثاء / 28 / ربيع الثاني / 1444 هـ - 19:36 - الثلاثاء 22 نوفمبر 2022 19:36
دعاني أحد الأصدقاء إلى حفل في فندق مكتظ بالمطاعم، فدخلت مطعما فخما، وظللت أتلفت، أبحث عن وجه مألوف يكسر رهبة جمع الشخصيات التي يبدو عليها الثراء، فوقف رجل بشوش على الطاولة الرئيسية، وشكر حضورنا، وأشاد بالمحتفى به، المليونير الجديد شادي حقلاني، فشككت في الأمر، ربما أخطأت في المطعم، فاتصلت بصديقي لكن جواله مغلق، قمت منصرفا، فاعترضني المضيف عند المخرج مستغربا، فابتسمت قائلا: ربما أخطأت في المطعم، قال: لم تخطئ، ولن تخرج إلا بعد أن تشاركنا مأدبة الغداء، وألح على بقائي.
ظللت أحمل صحني أمام الموائد الفاخرة، لا أدري أيها أشهى، ففضلت مراقبة الآخرين، فكان أغلبهم مغرمين بالسلطات والخضار، وهذه لا تروق لي، حتى عثرت على بغيتي تحت غطاء لم يمسه أحد قبلي، فغرفت من الأرز واللحم، ثم عرجت على الأصناف الأخرى للتمويه، وانتبذت طاولة قصية كيلا يحسدني أولئك على صحتي في حضور السليق الطائفي.
أراقب الجمع، وأحاول الاتصال بصديقي دون جدوى، ففاجأني رجل ممشوق القوام، حاد الملامح، ظننته الشاب السبعيني مصلح، لولا صفاء بشرته، ونضارة ملابسه، رغم أنه يضيع في تلافيف بشته الواسع، وعقاله يغطس إلى أذنيه، فسلم وجلس، لكن ابتسامته كشفت شخصيته، فرحبت به: أهلا بالشيخ مصلح، ورد بنبرة نجدية: «الله مير يحييك» دون شدة، فابتسمت، وقلت: دخلت نادي المليونيرات؟ فضحك وتحدث بلهجته الحجازية: يا شيخ الله فتحها بوجهي، وأصبحت المرافق الخاص للشيخ العبنوسي، الذي رحب بكم قبل قليل».
نظرت في صحنه فوجدته لم يزد عن الخضار، فسألته: ممنوع من اللحم؟ قال: لا، لكن التقاليد أن نبدأ بالسلطة والحساء وقليل من الخضار، ثم نذهب إلى الطبق الرئيسي، وبعده التحلية، فتغيرت ملامحي وكدت أغص بلقمتي، ولم أعلق، وهربت إلى سؤاله: ما قصة شادي حقلاني، كيف أصبح مليونيرا؟ فابتسم وقال: ببساطة، ورث أرضا عن والده، وباعها بثلاثين مليونا من العبنوسي، وأحب الاحتفاء به، واقترب مني هامسا: الأرض تسوى خمسين!
قلت: هل معلوماتك دقيقة؟ قال: هل تعتقد أن باب الثراء مفتوح لكل من هب ودب؟ لا يصبح المرء ثريا إلا بعد أن يلعق الصبار والصبِرا، وأمثال شادي لا يعرفون الصبِر، فقلت: ظننته استثمر في سوق الأسهم، أو استفاد من ودائع البنوك والسندات والصكوك، فضحك حتى خرج الجزر من بين أسنانه، وقال:
«يا عزي لك، هذه التي ذكرتها لا يمكن أن تخرج منها بفائدة، فالأسهم تغريك حتى تشتري، ثم تنحدر بك إلى قيعان لا تخطر على بال إبليس، فتغير اسمك من مستثمر إلى (متعلق)، أما عوائد الشركات والبنوك، فهي أشبه بالصدقات، انظر إلى المتسولين عند أبواب المساجد، ما نوع العملة الغالبة على ما يجنون؟ إنها الورقة الخضراء البالية، لا شيء آخر، والشركات والبنوك يعطونك أقل منها، فإن استثمرت 10 آلاف ريال فستنتظر في أحسن الأحوال 30 عاما على الأقل حتى يتضاعف هذا المبلغ، وحين ذلك أخبرني عن قيمتها، وعن حاجتك، وعن انتظارك؟» ثم ضحك ضحكة مشوبة بكحة، تشبه صوت ماكينة القهوة!
قلت: والشيخ العبنوسي، كيف أصبح هامورا؟ فتفحص ملامحي، وقال: كيف وجدت السليق؟ ثم أخبرني من دعاك إلى هذه المناسبة؟ فأدركت الأمر، والتهمت طعامي سريعا، وخرجت، فرأيت صديقي في البهو يقرأ مجلة اقتصادية، سلمت عليه، فرمقني بنظرة استغراب وهو ينظر في عود الأسنان، فقلت: جوالك مغلق، قال: رهنته في المطعم! فدخلنا، وتغديت معه طبق مكرونة برشو/ ميل!
helali_ahmad@
ظللت أحمل صحني أمام الموائد الفاخرة، لا أدري أيها أشهى، ففضلت مراقبة الآخرين، فكان أغلبهم مغرمين بالسلطات والخضار، وهذه لا تروق لي، حتى عثرت على بغيتي تحت غطاء لم يمسه أحد قبلي، فغرفت من الأرز واللحم، ثم عرجت على الأصناف الأخرى للتمويه، وانتبذت طاولة قصية كيلا يحسدني أولئك على صحتي في حضور السليق الطائفي.
أراقب الجمع، وأحاول الاتصال بصديقي دون جدوى، ففاجأني رجل ممشوق القوام، حاد الملامح، ظننته الشاب السبعيني مصلح، لولا صفاء بشرته، ونضارة ملابسه، رغم أنه يضيع في تلافيف بشته الواسع، وعقاله يغطس إلى أذنيه، فسلم وجلس، لكن ابتسامته كشفت شخصيته، فرحبت به: أهلا بالشيخ مصلح، ورد بنبرة نجدية: «الله مير يحييك» دون شدة، فابتسمت، وقلت: دخلت نادي المليونيرات؟ فضحك وتحدث بلهجته الحجازية: يا شيخ الله فتحها بوجهي، وأصبحت المرافق الخاص للشيخ العبنوسي، الذي رحب بكم قبل قليل».
نظرت في صحنه فوجدته لم يزد عن الخضار، فسألته: ممنوع من اللحم؟ قال: لا، لكن التقاليد أن نبدأ بالسلطة والحساء وقليل من الخضار، ثم نذهب إلى الطبق الرئيسي، وبعده التحلية، فتغيرت ملامحي وكدت أغص بلقمتي، ولم أعلق، وهربت إلى سؤاله: ما قصة شادي حقلاني، كيف أصبح مليونيرا؟ فابتسم وقال: ببساطة، ورث أرضا عن والده، وباعها بثلاثين مليونا من العبنوسي، وأحب الاحتفاء به، واقترب مني هامسا: الأرض تسوى خمسين!
قلت: هل معلوماتك دقيقة؟ قال: هل تعتقد أن باب الثراء مفتوح لكل من هب ودب؟ لا يصبح المرء ثريا إلا بعد أن يلعق الصبار والصبِرا، وأمثال شادي لا يعرفون الصبِر، فقلت: ظننته استثمر في سوق الأسهم، أو استفاد من ودائع البنوك والسندات والصكوك، فضحك حتى خرج الجزر من بين أسنانه، وقال:
«يا عزي لك، هذه التي ذكرتها لا يمكن أن تخرج منها بفائدة، فالأسهم تغريك حتى تشتري، ثم تنحدر بك إلى قيعان لا تخطر على بال إبليس، فتغير اسمك من مستثمر إلى (متعلق)، أما عوائد الشركات والبنوك، فهي أشبه بالصدقات، انظر إلى المتسولين عند أبواب المساجد، ما نوع العملة الغالبة على ما يجنون؟ إنها الورقة الخضراء البالية، لا شيء آخر، والشركات والبنوك يعطونك أقل منها، فإن استثمرت 10 آلاف ريال فستنتظر في أحسن الأحوال 30 عاما على الأقل حتى يتضاعف هذا المبلغ، وحين ذلك أخبرني عن قيمتها، وعن حاجتك، وعن انتظارك؟» ثم ضحك ضحكة مشوبة بكحة، تشبه صوت ماكينة القهوة!
قلت: والشيخ العبنوسي، كيف أصبح هامورا؟ فتفحص ملامحي، وقال: كيف وجدت السليق؟ ثم أخبرني من دعاك إلى هذه المناسبة؟ فأدركت الأمر، والتهمت طعامي سريعا، وخرجت، فرأيت صديقي في البهو يقرأ مجلة اقتصادية، سلمت عليه، فرمقني بنظرة استغراب وهو ينظر في عود الأسنان، فقلت: جوالك مغلق، قال: رهنته في المطعم! فدخلنا، وتغديت معه طبق مكرونة برشو/ ميل!
helali_ahmad@