الرأي

إما مخدوع أو مخادع

 

مرزوق بن تنباك
بشرنا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بأن إخواننا بني آدم قد بارك الله فيهم وزاد سوادهم وبلغوا ثمانية مليارات نفس منفوسة على وجه الأرض منذ الأسبوع الماضي، وهم اليوم أكثر من ذلك، ولأن قضية السكان وتكاثرهم على الأرض قضية مطروحة للنقاش على مر العصور وقد تكلم بها الفلاسفة والأنبياء والرسل والمصلحون في الأرض والمفسدون فيها أيضا، ومن هؤلاء الأقدمين الشيخ توماس مالتس وهو بريطاني سكسوني عاش في القرن الثامن عشر الميلاد ووضع نظرية معروفة منذ عام 1798م عن السكان وخطورة تكاثرهم على الأرض ومن عليها، وزعم أن مواردها لن تستطيع أن تقدم من الطعام ما يكفي في حالة تكاثر النسل وعدم ضبطه وتقنينه بقوانين صارمة لا تترك فرصة للزيادة التي تضر بالأرض ومواردها الطبيعية، واقترح كثيرا من الاقتراحات التي لم يأخذ بها أحد إلا القليل من دول العالم مثل الصين في فترة قريبة ماضية.

ولم يكن توماس مالتس رفيقا في نظرته للسكان ولا مرحبا بكثرتهم التي تزيد عن الحاجة واقترح أن يشغل الفقراء خاصة بطلب المعيشة ويعطوا القليل منها حتى لا يتفرغوا للزيادة في الإنجاب، ولم يرحب بكثرتهم مثل أمين عام الأمم المتحدة الذي رحب بالمليارات الثمانية وذكر ما لم يذكره توماس مالتس من الخوف على الأرض وعلى ما تستطيع إنتاجه من أجل أن تطعم من يولدون على أديمها.

لكن بين الرجلين خيط رفيع من التوافق فمالتس يخشى على سكان الأرض من عجزها وجفوتها لأبنائها ويأخذ بالمثل العربي (قلة الولد أحد اليسارين) ويريد ألا يزيد سكان الأرض عما تستطيع تقديمه لهم فكانت حربه على الفقراء أشد من حرب الفقر عليهم حتى بلغ في تطرفه أنه يرى الحروب والأوبئة والكوارث الطبيعية عوامل مساعدة على تقليل السكان وإنقاذ الأرض من خطر قادم إليها.

أما أمين عام الأمم المتحدة فيرى أن الأرض نفسها وليس سكانها هي التي في خطر داهم وقد عقد قبل أسابيع مؤتمرا عالميا دعا فيه إلى إنقاذها مما سببه الناس من بلاء يهدد وجودها هي ومن عليها.

وإذا كان الموقف للرجلين عاما شاملا الكون فإن في داخل الشمول خصوصيات كثيرة في الدول والقارات والأمم والجماعات ومنها خصوصيتنا في الجزيرة والخليج وهي منطقة محدودة لا تحتمل الاكتظاظ السكاني والطوفان البشري الذي يأتي من وراء الحدود للعمل والاستقرار.

وقد أحدثت الظروف المعاصرة ارتكازا للناس في بعض المناطق والقارات وخلوا وتصحرا في أجزاء أخرى ولأن منطقة الخليج العربي أصبحت إحدى مراكز الجذب والارتكاز التي يؤمها الناس ويريدون العمل والعيش فيها فقد بدأ حملها يزيد عن طاقتها، وما يزيد الأمر حذرا أنه حمل غير متجانس اللون ولا متجانس اللغة ولا الثقافة وأنه متعدد الهويات والأديان واللغات والثقافات، وهذا التضاد والتناقض لا يوجد في أي مجتمع طبيعي وأخطر ما فيه محو الهوية الوطنية لأهل الأرض الأصليين وغلبة المهاجرين والطارئين عددا وإقامة وتجارة، وهي اليوم غلبة عدد وغدا ستكون غلبة وجود وحقوق وفرض للأمر الواقع على المنطقة وأهلها، والكثرة تغلب الشجاعة، وليس هناك أخطر من أن يكون في الخليج في الحاضر 90% من السكان أجانب ومقيمين ومن يقول إن هذا العدد وهذه الكثرة والغلبة ليست خطرا وجوديا على المنطقة وعلى أهلها فهو إما مخدوع أو مخادع وليس غير ذلك.

Mtenback@