الرأي

حوكمة القطاع العام

طلال الشريف
الحوكمة نظام للإدارة الناجحة في المؤسسات العامة والخاصة للتحكم في أعمالها، وضبطها بالقوانين والقواعد والأسس والإجراءات والآليات، وتنظيم العلاقات لتحقيق المصالح والمحافظة على حقوق جميع الأطراف ومواجهة المخاطر المتوقعة والرقابة الفعالة على الممارسات الإدارية، والوصول إلى الشفافية وحماية النزاهة ومكافحة الفساد والمسؤولية والمساءلة والعدالة، وتختلف ممارسات الحوكمة بين القطاعين العام والخاص في الأهداف الأساسية لكل منهما، فالقطاع العام هدفه تعزيز ثقة المواطنين في الدولة ومؤسساتها بزيادة نسبة رضا المواطنين والمقيمين عن الخدمات المقدمة لهم، والقطاع الخاص هدفه زيادة الإنتاجية وتحسين الأداء الاقتصادي وتحقيق أكبر قدر ممكن من العوائد المالية.

ولإن حققت تطبيقات الحوكمة في القطاع الخاص نجاحات كبيرة جدا في تطور أداء القطاع الخاص، إلا أن ممارستها في القطاع العام لا تزال متواضعة، حيث أكد عدد من الدراسات على أهمية الالتزام بمبادئ الحوكمة ومعاييرها في القطاع العام وأثرها في زيادة الثقة في إدارة الحكومة وكفاءتها في تقديم الخدمات العامة والاستثمار الأمثل للمال العام وحماية المصالح، ومنذ الثمانينات الميلادية والحوكمة تمارس في القطاع العام كنموذج للإصلاح الإداري للقطاع العام في إصلاح سياساته وإعادة هندسة عملياته والاستثمار الأمثل للموارد ومحاربة الفساد لضمان تحقيق الكفاءة والفاعلية في تقديم الخدمات العامة، إلا أن تلك الممارسات للحوكمة في القطاع العام على مستوى العالم لم تحقق أهدافها بالشكل المطلوب مقارنة بما حققته في القطاع الخاص، وربما يعود السبب إلى ضعف ممارسات الحوكمة في القطاع العام وعدم توفر القناعات الكافية بممارساتها من جانب القيادات، إضافة إلى الصعوبات المصاحبة لقياس أداء القطاع العام في تقديم الخدمات العامة ومستوى رضا المستفيدين من خدماته.

ودون شك سيحقق تطبيق الحوكمة في القطاع العام نتائج إيجابية كبيرة، كتعزيز ثقافة الانتماء والولاء المؤسسي وكفاءة وفاعلية الحكومة وجودة الأنظمة والتشريعات واللوائح، وكفاءة الإنفاق العام والمشاركة ونشر وتطبيق قيم المساءلة والمحاسبة والشفافية، والحوكمة في قطاعاتنا العامة تواجه تحديات ومشكلات تؤثر على جودة أداء الخدمات العامة ومخرجات البرامج والمشروعات الحكومية والاستخدام الأمثل للموارد وتحقيق التنمية المستدامة والشاملة، وأبرز مؤشراتها الإعلان المستمر عن اكتشاف قضايا الفساد وضعف أساليب وأنماط مشاركة أصحاب المصلحة في صنع السياسات وعمليات التنفيذ والرقابة والمركزية في إدارة بعض القطاعات العامة الحيوية وضعف ممارسات الشفافية والافصاح والمساءلة وما يترتب على ذلك من التأثير على مستوى الثقة المتبادلة بين القطاع العام والمستفيدين من خدماته.

ولأننا على الطريق الصحيح في الارتقاء بجودة الخدمات الحكومية، وسيادة الأنظمة والتشريعات والمساءلة والتقييم الفعلي لأداء القطاع العام، قد يكون من المناسب خوض تجربة مجالس الإدارة في عدد من القطاعات العامة، لأنها تمثل قمة إطار الحوكمة وأهم آليات الحوكمة المؤسسية، ومن المؤكد أن إدارة القطاع العام ستستفيد من نظام الحوكمة في الشركات ولوائح عملها ومحاكاتها وتكييفها مع طبيعة القطاع العام وأهدافه ونوعية أصحاب المصلحة فيه، لتتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة لإيجاد حكومة فاعلة بهياكل تنظيمية رشيقة تمكنها من أداء مهامها بكفاءة وفاعلية عالية.

@drAlshreefTalal