الرأي

أزمة منتصف العمر بين البحث العلمي وأفلام هوليوود

أحمد محمد الألمعي
هل سبق وتساءلت لماذا يتصرف بعض الأشخاص في منتصف العمر تصرفات غريبة ويتشبهون بالمراهقين في سن الأربعينات أو الخمسينات؟، حيث يبدأ بعضهم في الاهتمام بمظهره بشكل لا يتناسب مع سنه، ويسعى لجذب انتباه فتيات صغيرات في السن أوقد يتزوج للمرة الثانية من فتاة في عمر بناته أو يقدم على زواج المسيار، أو ربما يفكر في السفر مع مجموعة من العزاب للمتعة تاركا أسرته من خلفه، أو قد يشتري سيارة رياضية لا تناسب سنه! هل هي نزعة ليعيش سنوات المراهقة من جديد، أم هو اشتياق للإحساس الطفولي؛ ليكون محور الاهتمام والإحساس بالمتعة كالمراهقين أو الدفء العاطفي الذي قد يكون افتقده في سن الطفولة؟

للكثير من المحيطين بهذا الشخص تعتبر هذه التصرفات غير مألوفة، غير متوقعة وتبعث على الحيرة والتساؤل في تفكير كل من يعرف هذا الشخص لعدة أسباب، كونها بالدرجة الأولى على غير الصفات والسلوكيات المعروفة منهم بل وتبدو سخيفة. يختلف منظور الشخص للأشياء والوقائع في حياته ويختلف تعامله معها، وكأنه يقوم بتكوين شخصيته من جديد.

البحث العلمي يشير إلى أن 10% من الرجال يمرون بهذه الأزمة، حيث تصيب الشخص في عمر 40-50 سنة تقريبا، وعادة ما يكون متوسط عمر الرجل عند إصابته بهذه الأزمة هو 46 سنة، وتستغرق مدتها ما بين 3 و10 سنوات بالنسبة للرجال وما بين سنتين و5 سنوات عند النساء.

وأشارت الدراسات إلى أن الشخص يفكر في عدة مواضيع عند وصوله لهذه المرحلة، ويتساءل بل يحس بتأنيب الضمير لاختياراته السابقة التي يعتقد أنها كانت فاشلة أو بالأصح خاطئة، ويتمحور تفكيره والإحساس بالفشل حول أحد هذه المواضيع: العمل أو المسيرة المهنية، العلاقات الشخصية أو الاجتماعية، أو الأسرة والأطفال وطريقة تربيتهم.

سن الأربعين بشكل عام مرحلة مهمة في حياة الإنسان سواء كان رجلا أو امرأة، فهي مرحلة النضوج الفكري، والقدرة على التحمل، وهي المرحلة التي يبدأ فيها الاستقرار الأسري والعملي، إلا أنها تفتقر إلى النشاط العاطفي بين الزوجين، فعندما يكبر الأبناء وتهدأ عاصفة الحياة تبرد المشاعر تدريجيا!.

تشير نظريات علم النفس إلى مراحل تطور محددة يمر بها الجنسان فيما بعد مرحلة البلوغ والنضج. ومن هذه النظريات؛ ليفنسون وفايلانت وغيرهما. وحسب نظرية ليفنسون فإن تطور الكبار يمر بسبع مراحل؛ الأولى: مرحلة النضج المبكرة سن 17-22 عندما يترك الشخص المنزل للجامعة مثلا ويبدأ مرحلة الاستقلال. في هذه المرحلة يقوم باتخاذ قرارات تتعلق بمستقبله التعليمي.

المرحلة الثانية: سن 22-28 وفيها يدخل عالم الكبار، وأثناء هذه المرحلة يؤكد خياراته وأهدافه المهنية وهي الفترة التي يبدأ التفكير فيها جديا بالارتباط العاطفي والزواج.

المرحلة الثالثة: سن 28-33 وهي مرحلة انتقالية لتقييم خياراته وما أنجز وهي أيضا مرحلة البحث عن الذات.

المرحلة الرابعة: سن 33-40 وتتجه اهتمامات الشخص إلى المجتمع ومن حوله وتأكيد خياراته نفسيا.

المرحلة الخامسة: سن 40-45 مرحله انتقالية لمنتصف العمر، ويقوم فيها الشخص بتقييم متعمق لما حقق أسريا ومهنيا. أثناء هذه المرحلة يحس بعض الأشخاص بالندم على قرارات سابقة وقد يبدؤون بالسعي وراء أهداف ورغبات سابقة أحسوا أنها قد مرت ولم يحققوها وقد يحسون بالحزن ويقومون بتصرفات خارجة عن المألوف ضمن ما تسمى أزمة منتصف العمر.

المرحلة السادسة: سن 45-50 وهي مرحلة منتصف الحياه والنضج، ويقوم الأشخاص في هذه المرحلة بتأكيد خياراتهم والقرارات التي سبق أن اتخذوها بناء على البحث النفسي في الذات أثناء المرحلة السابقة.

المرحلة السابعة والأخيرة: سن 60-85 وتتخللها فترتان مختلفتان من الاستقرار، ومن ثم الإحساس بالانتقال بين ما تم إنجازه فيما قبل التقاعد وانعكاسات للحياة في الفترات السابقة.

وتكون أحيانا أزمة منتصف العمر لدى الرجل ناتجة عن عدم النضج العاطفي وعدم إشباع تلك المشاعر في سن المراهقة والشباب وهذه الحالة تحتاج للجوء إلى مختص نفسي حتى لا تتفاقم إلى وتؤدي إلى وقوعه في مشاكل هو في غنى عنها، لا سيما أن الواقع يؤكد أن العلاقات التي يخوضها الرجال خلال مرورهم بهذه «الأزمة» لا يكتب لها النجاح، وتكون لها نتائج وخيمة عليه وعلى من حوله.

وتشمل أعراض أزمة منتصف العمر شعورا بالتوتر المستمر، وإحساسا بنهاية الحياة مما يسبب ردود فعل غريبة، تشمل تراجع القدرة على تعلم الأشياء الجديدة والرغبة في الوحدة، كما يقوم الرجل بتغييرات جذرية على مظهره الخارجي، يعبر باستمرار عن حنينه للماضي ويكثر من ذكرياته، ويستعمل عبارات مثل «أنا محروم، ضاع شبابي، ويفقد اهتمامه بزوجته، يتصيد عيوب الزوجة، ويختلق المشكلات وينظر لها نظرة دونية، ويقضى وقتا أقل مع عائلته ويترك تدريجيا مسؤوليات المنزل للزوجة، وقد يصل به الأمر إلى أن يوكلها إلى أبنائه الصغار أو أهل الزوجة، ويتخذ قرارات عشوائية فيما يتعلق بالتصرف بأمواله أو على الصعيد المهني، كما قد تظهر علامات الاكتئاب، كالنوم الكثير وفقدان الشهية والاستيقاظ عند منتصف الليل، ويلجأ بعض الرجال إلى المناورات والمشاكسات، ويبدأ بمعايرة الزوجة بأنها كبرت ولم تعد قادرة على تلبية كل احتياجاته، ثم تليها مرحلة هجر الأزواج لبيوتهم وأعمالهم، ليتفرغوا لعالم الإنترنت والفضائيات، وقضاء أوقاتهم مع الفتيات (زواج المسيار) والسفر إلى الخارج، أو حتى بعلاقات محرمة، متناسين ما عليهم من مسؤوليات تجاه الأسرة وحقوق أبنائهم. ونرى الرجل يغضب عند سماعه لعبارة الخيانة تتكرر في تناول هذه الأزمة؛ لأن البعض يعتقد خطأ أن هذه الممارسات من حقوقه «وأن الرجل ما يعيبه شيء».

وتتخلل هذه المرحلة اختلاق الأعذار والكذب والعصبية غير المبررة. وأظهرت دراسة ميدانية أجراها (المركز القومي للبحوث الاجتماعية) بالقاهرة، أن أغلب حالات الطلاق التي تقع بعد سن الخمسين ترجع إلى العزوف العاطفي، وبحث الزوج بصفة خاصة عن امرأة أخرى لاعتقاده أنها تلبي احتياجاته النفسية والبيولوجية «متناسيا أنه هو أيضا تقدم في العمر».

ويسبب الملل والفتور وعدم تكيف كل طرف مع رغبات الآخر في هذه السن، الانفصامَ النفسي والوجداني الفكري، ومما قد يدعم هذا التفكير الخاطئ، وجود ثقافه في المجتمعات العربية التي تنظر إلى المرأة بعد الأربعين على أنها امرأة متقدمة في العمر، في حين يُنظر للرجل على أنه سن النضج والحيوية والعقل.

للتعامل مع هذه المرحلة يلزم وعي الزوجين، والرجال خاصة بأن، ما يمرون به مرحله مؤقته فيجب تجنب اتخاذ قرارات مصيرية في هذه الفترة؛ لأنها قد تسبب دمار الأسرة والإحساس بالندم في مرحلة لاحقة.

من الضروري أن تعي الزوجة بمرور زوجها بهذه المرحلة، وتتجنب ردات الفعل المتشنجة والقرارات المصيرية لتجنب الانفصال، استعمال أسلوب الصبر والمصارحة، وتجنب المكابرة والعناد من قبل الزوج في لم شمل الأسرة عند الانفصال، محاولة نسيان الماضي والتطلع للمستقبل والتركيز على التفكير الإيجابي، وتجنب كل ما قد يؤدي إلى دمار الأسرة أثناء الخلافات، الاعتذار الذي قد يعني للمرأة الكثير بينما يعده الأزواج خاطئين نوعا من الخضوع والضعف، الاحترام المتبادل بين الزوجين وتجنب الألفاظ والسلوكيات الجارحة والإهانات؛ لأن ذلك يترك أثرا وندوبا عاطفية قد تدوم لوقت طويل. الاستمتاع بكل مرحلة من مراحل العمر بما يناسبها ضمن سياق الثقافة المجتمعية والعدل والإنصاف الأسري.

أسلوب الحوار الناضج الذي يبدأ بكلمات مثل «أتفهم ما تحس به» و»أتفهم ما تمر به» مثل هذه الجمل تساعدنا في فهم المواقف بطريقة أفضل وتجنب التكبر والعنجهية أثناء الحوار حتى يمكن تجاوز الأزمات.

وفي حل هذه المشكلة لا بد تفادي الأسلوب الهجومي في التعامل؛ ويخطئ كثير من الرجال باستخدام هذا الأسلوب حتى عندما يرتكب أفعالا لا تليق شرعا أو خلقا، والحل لا يكون عن طريق شن حرب شعواء على الزوجة، محملا إياها المسؤولية!.

استعمال وسائل التواصل غير اللفظي الإيجابية مثل النظرة الودودة أو نظرة العتاب، الابتسامة الحانية اللمسة الرقيقة....إلخ كل هذه الأمور مساعدة، ولا توجد حدود للابتكار في هذا المجال ويكون ذلك متبادلا من الطرفين.

أخيرا: إذا وصلت الأمور إلى طريق مسدود وتعذرت الحلول، فينصح بالاستعانة بالمستشار الأسري أو الأخصائي النفسي، فقد يفتح هذ الحل كثيرا من النوافذ التي كانت مغلقة بعيدا عن إدراك الزوجين.

@almaiahmad2