الرأي

يوم حزين في معرض الكتاب

فهد محمد الأحمري
الأيام الأولى لمعرض الرياض للكتاب 2022 خيم عليّ الحزن لأنني كنت خارج العاصمة في مهمة هامة، وما إن عدت حتى وجدت نفسي أهبط في المعرض لعدة أيام متتالية، ليس لأنني أحتفل بكتابي الجديد في أروقة المعرض (وهو الإصدار الثالث) بل لأنني أحب معرض الكتاب حبا جما.

حبي لمعرض الكتاب في الرياض وغير الرياض ليس بدعوى أنني قارئ نهم أو متسوق شره، فأنا للأسف قارئ كسول ومتسوق ضنين، نوعا ما، إلا أن الهيام بهذا الحدث يعود لأمور.

فمعرض الكتاب جزء من بناء مشروعنا الحضاري الجديد، وهو أيضا عرس ثقافي وكرنفال فكري لكثير من العقول النيّرة، من مختف المشارب والبلدان، التي قد لا تسنح الفرصة للقائهم إلا هنا فضلا عن لقاء عموم رواد المعرض الفضلاء الذين أسعد بمشاهدتهم يجوبون ردهات المعرض.

أزعم أن كل زائر وزائرة لهذا الحدث يستحق أن ينال شرف مثقف أو «مشروع مثقف»، إن صح التعبير، حتى ولو لم يقتن كتابا واحدا، كيف لا وهو يلقي بجسده بين دهاليز الكتب وتتنفس روحه عبق الورق وتصافح عيناه حروف الأغلفة، وحين يرمق بصره انكباب الناس على الكتاب، فقد تصحو بصيرته ويبدأ في مغازلة الصفحات وينضم إلى عشاق الحرف الورقي يوما ما.

كنت أظن، وكذلك غيري، أن كثيرا من رواد معرض الكتاب ما هم إلا متنزهون يجوبون ساحات المعرض ذهابا وجيئة، ولهذا حرصت ورفيقي على رصد هذا الأمر. خليلي في الجولات، أومأ إلي بمشاهدة العربات المليئة والشبه مليئة بالكتب والأكياس التي يحملها كثير من المارة في الممرات ومواقف السيارات وإلى وقوف البعض في المداخل الرئيسة بانتظار عربات الكتب الفارغة.

كان الظن السائد أن التقنية ستسحب البساط من الكتاب الورقي من خلال الكتاب التقني ووسائل التواصل الاجتماعي إلا أن معرض الكتاب في كل سنة يقدم إلينا رسائل جلية وصور ناصعة بأن علو مجد الكتاب وسيادة القراءة الكلاسيكية.

ومن مشاهداتي في المعرض، زيادة حجم المعرض إلى الضعف، وهذا محل تقدير لوزارة الثقافة، غير أن الفترة الزمنية للمعرض بقيت كما هي، 10 أيام. والمقترح هنا هو زيادة عدد الأيام قليلا مع إعطاء يوم واحد عطلة للمعرض، نظرا لشكوى بعض أصحاب الدور من العمل المتواصل خاصة وأنه يمتد إلى منتصف الليل، أتفهم التبعات المادية والنفسية لأصحاب الدور من تمديد أيام المعرض غير أن المكاسب ستكون أفضل سيما أن معرض الرياض متميز بالنظر لبقية المعارض العربية.

ومن المشاهدات أيضا وجود زوار غير عرب نظرا لمشاركة عدة دور نشر غير عربية ولأول مرة وبعضهم يجيدون اللغة العربية ومنهم شخصان من الصين شرفوني باقتناء كتابي وطلبا التوقيع عليه.

المسؤول الإعلامي في جناح تونس (ضيف هذه السنة) ممتن جدا لحرارة ترحيب السعوديين، وشاركني مشاهدة تقريره الإعلامي للقناة التونسية وفيه مشاهد لمواطنين سعوديين وسعوديات يقدمون الحلوى والورود للضيوف، فضلا عن الكلمات الضافية التي نثروها ترحيبا بضيف هذه السنة.

ملاحظة أخرى قد تكون مغايرة لما سبق، وهي المبالغة في ارتفاع أسعار الكتب، الأمر الذي سيؤدي حتما إلى تقليل فرص اقتناء الكتب، والعزوف عن زيارة معارضنا والتي توحي بأنها معارض للاكتساب وليس للكتاب!.

هناك المساحة مهمة وهي أن المعرض يفترض ألا يكون أجنحة للكتب فحسب، بل كذلك أجنحة للحوار والمناقشة والمشاركة المعرفية، غير الفعاليات المجدولة، بين مرتادي المعرض، لهذا يحسن بالقائمين على المعارض المحلية تكثيف الجلسات الهادئة بين الأجنحة ليتسنى الجلوس ومشاركة الرأي والمثاقفة سيما مع الضيوف الذين شاركوا من 32 دولة.

أخيرا وكالعادة، في اليوم الأخير يلازم عشاق المعرض غصة تقض أضلاع أنفاس الوجد، وهم يشاهدون مظاهر الركب تغلف الأمتعة إلى حيث الرحيل ليتمتم أحدهم:

ودع هريرة إن الركب مرتحل

وهل تطيق وداعا أيها الرجل!

FahadAlAhmary1@