الرأي

المثقف بين وهم الأهمية والشعور بالمظلومية!

أحمد الهلالي
مسكينة هي المؤسسات الثقافية حين تظل مرمى سهام الكثير من المثقفين، ويتحول النقد عن الفعل الثقافي إلى (المكسب الشخصي) وتظل تلك المؤسسات خاوية على عروشها، محفوظة الوجوه المترددة عليها، في ظل غياب الكثيرين، وحضور صراخهم عبر قنوات الإعلام ومواقع (التصارع الاجتماعي). يحق لي استعارة مصطلح (الشعور بالمظلومية) من حقل الأقليات، ونقله موقتا إلى الحقل الثقافي، فقد لمست هيمنة هذا الشعور على الكثير من المثقفين، فتجده ناقما على المؤسسات الثقافية، وربما لو سألته عن آخر زيارة لها؛ لاكتشفت أنها قبل عشر سنوات أو تزيد، أو أنه لا يعلم موقع المؤسسة الثقافية في مدينته، أو يظن أنها مخصصة لنوع من الكائنات البشرية لا يشبهها ولا تشبهه. الشعور بالمظلومية، يأتي وليدا شرعيا لانتفاخ الذات، واعتبار بعض المثقفين ذاته أحق من غيره في كل المناشط الثقافية، فهو شخصية مهمة، تجاهلها يعني أن الثقافة تهوي إلى قاع سحيقة، ولا يمكن أن تسير إن لم يكن الحادي أو الهادي، وهذا الشعور قطع أرجل الكثير من المثقفين عن المؤسسات الثقافية والملتقيات، حتى بات الكثيرون يجلدون مشهدنا الثقافي، ويصمونه بالبؤس والضعف والهزال، وكأن المؤسسات الثقافية أصبحت ملكا لمجالس إداراتها، ولا يحرك المشهد الثقافي كله إلا هذه المجالس. إن أعظم ما ابتلي به مشهدنا الثقافي هو ذلك الشعور المنافي للثقافة، الموغل في السوداوية، ولا أبرئ المؤسسات الثقافية من بعض السلبيات، وتعمد إقصاء بعضها لبعض الأسماء لأسباب بعيدة عن الثقافة، لكن من واقع دراسة ميدانية لي، فالمؤسسات تقدم دعواتها لمناشطها عبر قنوات عدة (كالتلفزيون، والصحف، ومواقع التواصل، ورسائل SMS، واللوحات الإعلانية) وبعضها يزيد عن طريق البطاقات والاتصالات الشخصية، لكن حين تبدأ الفعالية الثقافية تجد أكثر من ثلاثة أرباع القاعة خالية من الحضور، وأصحاب المظلومية يصرخون على أغصان أخرى. وكذلك المشهد في الملتقيات الثقافية، تقوم الدنيا ولا تقعد حين لا تصل الدعوة فلانا، أو لا توافق اللجنة العلمية على ورقة عمله، أو لا تفوز مشاركته، لكن حين تتأمل جلسات الملتقى تشعر بالأسى، وقد أنفقت المؤسسة الثقافية مئات الآلاف على الاستضافة والنقل، والقاعات شبه خالية من المدعوين، فتضطر إلى تأخير بدء بعض الجلسات، حتى لا يرى العالم على شاشات التلفزة أو الصحف عوار خلو القاعة إلا من عدد قليل من المهتمين والمثابرين. أيضا بعض الصارخين ينادي بإشراك الشباب في المؤسسات الثقافية والاهتمام بالأجيال، لكن حين تسأله عن مقاطعته للمؤسسة، تكون إجابته أن منبر المؤسسة (تلوث بأدعياء الثقافة والمبتدئين وأنصاف المثقفين)، فأي دعوى وأي إشراك، وكيف تجد المؤسسات الثقافية شبابا بلغت تجاربهم النضوج الذي يتوخاه. أركان المشهد الثقافي ليست المؤسسات الثقافية وحدها، وفاعلية المشهد تأتي من المثقف في المقام الأول وحرصه على مجتمعه ووطنه، وتجاوزه عن الصغائر، فلا يمكن أن نبلغ ريادة ثقافية وعقليات جل (الصارخين) تنحدر إلى مستويات مخجلة، ووساوس نفسية، فنحن الآن على أعتاب هيئة الثقافة والتحول الوطني، وما لم تعالج هذه المسائل كما ينبغي، وتصبح الفاعلية في المشهد، والجدية والمبادرات هي ميزان الثقافة، سنظل في مكاننا نراوح ونندب حال مشهدنا وثقافتنا. ختاما: المثقف الحقيقي لا يغيب عن الفعل الثقافي، فإن كان حسنا أشاد به وعزز بناءه، وإن كان دون المستوى نقده بموضوعية هدفها التقويم، بعيدا عما تعتمل به النفس، فلا يكون موقفه مؤشرا لرضاه أو سخطه من مجلس إدارة المؤسسة، بل ينطلق من همه أن يبلغ مشهدنا الثقافي الريادة الحقيقية، وهي لنا إن فكرنا في استخدام أدواتنا كما يجب. alhelali.a@makkahnp.com