الرأي

التطوير المهني المستمر سر النجاح!

بندر الزهراني
التطوير المهني المستمر ركيزة أساسية من ركائز النمو والإنتاج في الشركات الناجحة وذات الاستثمارات العالمية الضخمة، ولولا اهتمام الشركات الوطنية الكبرى كأرامكو وسابك وغيرهما بالتطوير المهني المستمر ما رأينا موظفيها يمتازون على موظفي القطاع العام وشركات القطاع الخاص، ولا كانت لهم المكانة المهنية والاجتماعية التي هم عليها مقارنة بغيرهم من الموظفين.

ولولا إدراك هذه الشركات ووعيها بأن التطوير المهني المستمر ما هو إلا استثمار أمثل للموارد البشرية وأنه سر من أسرار النجاح لما كانت في الطليعة ولما كانت حلم كل موظف!

صحيح أنه في السنوات الأخيرة ظهرت محاولات جادة لتطوير معلمي التعليم العام، كالاهتمام بالنمو المهني، وضرورة الحصول على الرخص المهنية للوظائف التعليمية، وصحيح أن الوقت ما يزال مبكرا للحكم على مثل هذه المحاولات، إلا أن نجاحها من عدمه مرهون بشيئين: البيئة الحاضنة، والظروف المصاحبة، فالتجارب السابقة التي لم يكتب لها النجاح والاستمرار تخبرنا أن التطوير المهني بحاجة لبيئة متطورة نسبيا أو على الأقل قابلة للتطوير، وأن دوافع التطوير ومحفزاته ما هي إلا دوافع ومحفزات ذاتية قبل أن تكون دواعي ظرفية أو حاجات سببية مؤقتة.

التطوير المهني المتقطع أو الإجباري أو المرتبط بالمعايير والعلاوات الوظيفية أغلبه يتحول فيما بعد إلى معوقات وحواجز، فيتوقف اختيارا أو يتعثر اضطرارا، وبعض الإدارات الأكاديمية تشكو ضعفا في تطوير أعمالها باستخدام أساليب الإدارة الحديثة، وهذا ما يفسر بشكل أو بآخر غياب مفهوم التطوير المهني المستمر بغض النظر عن بعض المحاولات المحدودة والمتقطعة هنا أو هناك، وهذا النوع من التطوير المهني المتقطع لا يكون له أثر أو مردود إيجابي ملموس، وإن ظهر فلا يظهر إلا للاستهلاك والترويج الإعلامي لا غير.

سأعطيكم مثالا على ذلك: في إحدى الجامعات تبنت إدارتها العليا برنامجا جديدا لصناعة القادة وتطوير أداء الإدارات الأكاديمية، وكانت تهدف من وراء هذا البرنامج التطويري تكوين صف ثان من القيادات الجامعية، وأنشأت في سبيل ذلك مركزا لتكوين القادة ودعم القرار، واستبشر المهتمون خيرا بخطواتها هذه، فلما غاب بعض وكلاء وعمداء الجامعة عن مباشرة أعمالهم لأسباب مختلفة تعذر شغل مراكزهم بقادة الصف الثاني! وهذه الحادثة تجعل من موضوع التطوير المهني المستمر موضوعا حيويا وفي مقدمة الأولويات والاهتمامات الأكاديمية.

دعونا نستبدل فكرة صناعة القادة الأكاديميين بمشروع استكشافهم، فالقائد الحقيقي لا يصنع وإنما يكتشف ويمكن، والإداري الأكاديمي سواء كان رئيسا أو وكيلا للجامعة أو مديرا للتعليم أو مسؤولا عن البحث والابتكار يجب أن يكون مفكرا وفيلسوفا أو إداريا متخصصا ولو كان من خارج المنظومة الأكاديمية، لماذا؟ لأن الرئيس من هذه الفئة يعمل ضمن أطر فلسفية دايناميكية وديالكتيكية تجعل من إدارته خلية متوقدة أشبه ما تكون بالخلية الكهرومغناطيسية، من جهة يستطيع بمرونته الإدارية وقواه الفذة تسخير كل فرصة للنجاح، ومن جهة أخرى يحافظ على قوى الشد والدفع.

ومثل هذه الأولويات لا تغيب عن عقلية الإداري التنفيذي الناجح، فعندما سئل معالي الأستاذ يوسف البنيان وزير التعليم الحالي والرئيس التنفيذي السابق لشركة سابك عن سر نجاح إدارة سابك، وهي الشركة التي حققت نجاحات وإنجازات تعدت الآفاق، وفاق صداها وأثرها كل التوقعات، وكانت وستظل مصدر فخر واعتزاز لكل مواطن، أجاب بشكل مباشر وواضح قائلا: النزاهة والاهتمام بتطوير العنصر الوطني، وهذان -من وجهة نظري- سببان كافيان ومتعديان لأن نتوقع مزيدا من الاهتمام بالطاقات البشرية الوطنية والتطوير المهني المستمر.

الحقيقة أننا نتوقع في المرحلة القادمة سبكا (سابكيا) وعملا تنفيذيا معتبرا يعيد للإدارة مكانتها الطبيعية، ويذيب كل الترهلات الأكاديمية، ويحرر كل الإدارات النمطية والروتينية، ويخرجها من دائرة تصريف الأعمال إلى عالم الإبداع والابتكار، فلا يخرج لنا عندئذ إلا جواهر عسجد ذهبية خالصة، ننافس بها الأمم ونفاخر بها في كل واد ومحفل، وهذا ما نرجوه ونتطلع له في ظل النزاهة والشفافية والاهتمام بالتطوير المهني المستمر.

drbmaz@