16 عاما والأرض بلا صوت
الثلاثاء / 20 / ذو القعدة / 1437 هـ - 19:00 - الثلاثاء 23 أغسطس 2016 19:00
«عندما سقط طلال مداح ارتطم بالسقف». لم أجد أفضل من تغريدة عبدالمجيد الزهراني لأبدأ وألخص بها مقالتي هذه.
من مسرح المفتاحة ضمن أعلى مكان في وطنه ارتقى طلال إلى درجة غير معروفة ولا قابلة للقياس في قلوب عشاقه وعقول محبيه وأهل الفن وكل من زعم أن في أذنه مثقال ذرة من تذوق.
«الله يرد خطاك» كانت آخر ما شدا به فقيد الثقافة والفن السعوديين، لكنها أيضا كانت نهاية الأصالة في أغنية الوطن في الساحة بشكل محسوس وملاحظ. لا أملك حقيقة مقياسا واضحا للمسألة، لكن يمكن للقارئ أن يسترجع الإنتاج الموسيقي السعودي منذ سبتمبر 2000 حتى تاريخ المقالة ليعلم مدى الفراغ الكبير الذي تركه رحيل عراب الأغنية السعودية الحديثة ومجدد مهم للألحان في وطنه (أما عربيا فما زالت ولله الحمد الحركة الفنية الملتزمة الراقية مستمرة بوجود بعض الحناجر التي ما زالت تصدح بالجميل والمميز والملتزم).
ليس هذا فحسب بل إنه كان سببا رئيسا في جعل مهنة المطرب محترمة ومهوى أفئدة كل ذي جاه ومال ومجلسه كان ملتقى كل أديب وشاعر ومثقف وهاو للغناء أو الفن عموما. أيضا فقد شاء الله لزرياب وحنجرته الذهبية التي تسلب عقل ولب وفؤاد كل من استمع إليها أن تمر بالعديد من العقبات والعثرات والمعوقات الجمة في كل مراحلها الفنية والإنسانية وفي سبيل مشروع فني حداثي هو الأهم منذ افتتاح معهد الفنون المسرحية في الكويت على يد زكي طليمات. حيث لم يأبه أبو عبدالله بكل محاولات التثبيط والتكسير والتحطيم وحتى التسفير والتهجير. وفي كل محاولة كان يعود أقوى وأبهى وأجمل وأكثر إصرارا وحماسا وتأثيرا على الغناء.
ولأنه من طينة العظماء وقارئ التاريخ بالطبع يعلم أن هكذا نوعا من الشخصيات التي تكون موهبتها أكبر بكثير من أن يستوعبها محيطها كانت لا تكترث بمن حولها وتبقى تعمل حتى يستوعب الناس ماذا قدمت ولو بعد حين.
كان صوت الأرض قطب جذب خارقا بشخصيته المتميزة الشفافة وفنه الذي كان أكبر من كل ما حوله، لهذا كثر حوله المحبون والعاشقون والهائمون وأيضا المنتفعون الذين ما زال بعضهم يقتات على اسمه ويعيش على تاريخه حتى بعد رحيله الجسدي.
أخيرا لأن سقف طلال كان بعيد المنال، صال من بعده كل من شاء في الساحة وجال، وأصبح المرفوض المنبوذ فنا حسنا شديد الجمال.
لا طلال جديدا يلوح في الأفق، لأن الأرض لن تقوى على استيعاب طلالين أو صوتين لها، لهذا مذ «خذاك الموعد الثاني» ونحن «أغراب في رحلة ليال العمر»! فاعذرنا لأننا لم نقدر موهبتك ولا حجم ما قدمت لوطنك الحبيب وأبنائه وبادلناك ذكرك إيانا بنسياننا لك.
في الختام هذه الكلمات ليست شيئا لأنك يا طلال أكبر من كل الكلمات، لكنها لينة أزرعها في بستان حبك وفنك المتفرد.
أسأل الله لك الرحمة والجنة والغفران.