أزمة صمت!
الثلاثاء / 20 / ذو القعدة / 1437 هـ - 19:00 - الثلاثاء 23 أغسطس 2016 19:00
نحن بحاجة إلى أزمة صمت تحيط بنا كي نهنأ بلحظات من الهدوء، ونحفل بجو خال من الضجيج. نحن بحاجة إلى هذا الصفاء الذهني، والنفسي والفكري .. فقد أرهقنا هذا الضجيج الذي يلف تفاصيل الحياة التي امتلأت بالصخب الالكتروني، واجتاحتها ثرثرة الكلام المكرور غير المفيد. فكل ما حولنا أحداث سياسية صاخبة، وصراعات فكرية مدوية، وزوابع اجتماعية لقضايا قتلت جدلا ونقاشا.
الفتح الإعلامي الرهيب - زاد الطين بلة - إذ اقتحمت حياتنا برامج التواصل الاجتماعي بنوافذها العديدة التي أطلقت العنان لكل ذي يد أن يملأ الفضاء بما يشاء من نافل القول. هذه الطفرة في الثرثرة التي أفسحتها برامج التواصل الاجتماعي وفوقها تلكم التي حولت حياتنا إلى مناظر مرئية، ترصد كل تحركاتنا، وتعرض أماكن تواجدنا، وتصور ما يدخل بيوتنا وما يخرج منها من طعام، ومن يفد إلينا زائرا أو مغادرا لتجعلها مثار أحاديث لا تنتهي، ومقارنات لا تنطفئ وربما مهاترات لا تليق.
بعد كل هذا في ظني أننا بحاجة إلى أزمة صمت، إن لم تحدث من تلقاء نفسها، فمن الأفضل أن نصنعها لأنفسنا، فمن حقنا أن تنعم براحة البال بعيدا عن هذا الصخب والجدل والطفرة الكلامية الإلكترونية، فما أجمل أن يفرض الواحد منا على نفسه أزمة صمت يبتعد فيها عن وسائل التواصل الاجتماعي - ولو لفترة موقتة - ليستعيد لياقته الفكرية والذهنية والنفسية ويريح يديه من الإمساك بجواله ويريح عينيه من ملاحقة الكلمات والصور والمقاطع التي في جلها مجرد ثرثرة كلامية أو مرئية.
ليس هذا تحريضا على الصمت لمجرد الصمت، إنما هي دعوة إلى ترتيب الأولويات، وإعادة رسم أوجه العلاقة مع هذه الوسائل كيلا ينهمك المرء في واقع افتراضي يفتنه عن واقعه الحقيقي، وكي يتجنب الخوض فيما لا طائل من ورائه، ولئلا ينزلق في المهاترات التي تجلبها كثرة الانسياق وراء المتابعات، ولئلا تهدر الأوقات الثمينة وتنصرف الأذهان عن الانشغال في النافع المفيد.