الرأي

ريودي جانيرو واتحاد القوى وداعش

عادل حوشان
في آخر أيام أولمبياد ريودي جانيرو الذي اختتم الأحد الفائت، كان هناك أحد السباقات المنتظرة، وهو سباق يأتي في اهتمامات محبي ألعاب القوى كأحد أبرز خمسة سباقات في أم الألعاب. كان واضحا من بداية السباق، وبتعليق البطل السعودي هادي صوعان (صاحب ميدالية 400 م حواجز أولمبياد سيدني عام 2000)، أن البطل الذي اختار أن يكون آخر المتسابقين الـ 16 ليحلل ذهنيا خطة المتسابقين كل على حدة، خصوصا أن هناك بعض الدول تشارك بأكثر من متسابق متأهل، لذا يصبح في العادة هناك خطة لجر السباق إلى مناطق الانتصار سواء بإبطاء الإيقاع أو تسريعه وموقع المتسابقين بالنسبة لحارات السباق، سقط في منتصف سباق 10 آلاف متر ونهض وحقق الميدالية الذهبية. المتسابق الذي راقب السباق حتى قرأ خطط الجميع من مواليد مقديشو (يوافق اسمه اسم زعيم الحرب الجنرال عيديد الذي قاد انقلابا على نظام سياد بري وأدخل الصومال حربا منذ عام 1991 دمرت معظم البلاد، وأصيب في إحدى المعارك وتوفي بعد إصابته البليغة في عام 1996)، هاجر مع عائلته في عمر الثماني سنوات عام 1993 إلى بريطانيا وبدأ تدريبه على ألعاب القوى للمسافات الطويلة والمتوسطة في عام 2011 في كينيا وإثيوبيا معقلي السباقات الطويلة والمتوسطة، وانتقل في العام نفسه إلى الولايات المتحدة ليتولاه مدربه الكوبي سالازار. في 2012 حقق ميداليتي سباقين. أدل عثمان صحفية صومالية كتبت «أثناء وجودي داخل حشد لمتابعة نهائي أحد السباقات، لاحظت كيف يمكن لشخص أن يسمو فوق الاختلافات وأن يجمع الناس سويا بعد ما فرقتهم السلطة والعداوات القبلية». يقول هو بعد فوزه في لندن وتقبيل زوجته في مضمار لندن «أنا أصلي قبل أي سباق وأقرأ القرآن الذي يحثنا على العمل بجد في كل ما نفعله». من داخل مقديشو وعلى سواحلها تتلاحق أخبار القراصنة والاختطاف، وتتعمق صراعات القاعدة وداعش، وتتصدر العناوين الصحفية صراعات هذه الاختلافات وضحاياها. الصحف الأجنبية أهملت مقديشو ولم تعد هذه المنطقة تحتل أي خبر في الغالب بعد الانسحاب الأمريكي المتمثل باتحاد «اليونتاف» للإغاثة الإنسانية كما صرح الرئيس الأمريكي جورج بوش، بينما كان السبب الرئيسي السيطرة على التجارة البترولية. في هذه المهمة خاضت الفصائل حربا كانت نتيجتها مقتل 19 أمريكيا وإسقاط طائرتين وسحل القتلى في شوارع العاصمة، وفي الوقت نفسه حيث كانوا يبحثون عن المطلوب «عيديد» كان الرئيس كلينتون خلف سابقه يكلف جيمي كارتر للتفاوض مع نفس الشخص. (ويكبيديا). في أحيان كثيرة احتلت الأخبار محاولات تفجير طائرات وانضمام لفصائل متشددة في سوريا والعراق من قبل صوماليين. محمد فارح، الهارب من الجحيم ترك صورته الخاصة، صورة الإنسان السوي الذي أراد أن يكون نموذجا لبلاده وللحياة، لم يكتف بتحقيق أحلامه فقط بل أحلام الصوماليين الذين يعيشون ويلات الجوع والفقر والحرب بفعل السياسة والدين. لم تكن رسائل السياسيين كافية للعيش بهدوء حين نفذوها بالسلاح والقهر، ولم تكن رسائل المتطرفين إسلاميا كافية لصورة الإسلام حين نفذوها بالقتل والترويع وخلطوها بدم السياسة الملوث. لكن سجدة محمد فارح بعد انتصاره كانت في منتهى الوضوح والصدق والشجاعة، في الوقت الذي يقدم فيه مئات القتلة في الصومال ومنها، الضحايا والجوعى والفقراء، باسم الإسلام، فإن محمد فارح «مو»، يحتضن زوجته ويسجد لله ويترك سجادة الإسلام النقية في المضمار أمام العالم. لمحمد فارح الحب والسلام. لاتحاد ألعاب القوى سنة التمرين التي أنجبته بطلا ونحن لا نصنع سوى الفرجة، ولداعش الجحيم سواء كانت في الصومال أو في أي قطعة من جغرافيا هذه الأرض. hoshan.a@makkahnp.com