الرأي

القصيدة الشعبية «أنا الواقف ورا ظهر النهار»!

أحمد الهلالي
كتبت سابقا حول الشعر الشعبي، مرة حول الخطاب الأحمر الذي يتغنى فيه الشعراء بمآثر بعض الشخصيات والمكونات الاجتماعية ولا يجدون من المفاخر سوى العنف، اللطم والضرب والقتل، أو الحروب وإراقة الدماء، وهو اجترار لحقبة ماضية كانت تتجسد فيها هذه المشاهد التي فرضها واقع معاصريها، ثم كتبت مقالة أخرى حول أهمية توقف كليات الآداب والباحثين في الأدب والتاريخ وعلوم الاجتماع أمام مخزوننا الهائل من الأدب الشعبي شعرا وحكاية وأخبارا وأمثالا وأساطير.

في هذه المقالة أتوقف عند انحسار صوت الشعر القصيدة الشعبية الحديثة في الساحة، القصيدة الحديثة التي قدمها رموز الشعر الشعبي إلى عهد قريب، وأطلق عليهم شعراء الحداثة، وما تزال نصوصهم عالقة في أذهاننا سواء عبر إلقائهم، أو في قراءاتنا عبر المجلات والمنتديات، أو في تغني المطربين بها، وكغيري نتساءل ما سر انحسار الضوء عن هؤلاء المبدعين، وما سر غياب بعض الأصوات الشعرية عن الساحة، هل كبروا أم زهدوا أم لم تعد تغريهم المنابر أم تخلت عنهم المؤسسات؟!

ألقى الشاعر عيضة السفياني بأسلوبه الحماسي ملحمة وطنية مجلجلة في احتفال محافظة الطائف بالذكرى 92 لليوم الوطني المجيد، وقف في ختامها محافظ الطائف الشاعر الأمير سعود بن نهار إكبارا للشاعر ونصه، ثم في أمسية شرفات الطائف في الشفا التي نظمتها هيئة الأدب والنشر والترجمة وموسوعة أدب، وشرفت بإدارتها، حضر عيضه السفياني، وخالد قماش، ورده السفياني، واعتذر الحميدي الثقفي، وغاب عبدالمجيد الزهراني، وخالد الحارثي، وغيرهم من الأسماء المميزة في فضاء القصيدة الشعبية الحديثة، وهي أسماء تعني للذائقة الشعبية الكثير في ذاكرة القصيدة الحديثة.

سألت الشاعر رده السفياني عن سر الغياب، وكانت ملامحه وتعبيراته كلها تفي بالإجابة، الإجابة التي لا تجيب عن سؤالي الكبير، وحين أقول غياب الشعر الشعبي، فأنا لا أقصد الغياب التام، بل أقصد انحسار الوهج والسطوع للقصيدة الحديثة، فلكل شاعر منصته اليوم، يطل منها على محبيه ومعجبيه، لكنه حضور أفراد لا حضور مؤسسات، حضور أقل وهجا عما ألفنا في أماسي الشعر الشعبي الرنانة.

رجوت من رده ورفاقه الشعراء أن يعيدوا للقصيدة الشعبية الحديثة وهجها، وأن يقودوا مجتمعين حراكا في هذا الاتجاه، سواء بتقديم مبادرة أو من خلال مظلة رسمية أو خاصة، تعمل على نقل تجاربهم المميزة إلى جيل الشعراء الشباب، فالشعر الشعبي ما يزال قادرا على ملامسة الوجدان بالتقاطاته المميزة لدقائق ثقافتنا ويومياتنا، وهو القادر على استيعاب المستجدات، وتصوير الواقع بلغته المرنة، وتوقيعاته المؤثرة في الوجدان.

وما تزال دعوتي قائمة للشعراء، وأمدها إلى هيئة الأدب، وهي القديرة على صناعة منصات ومبادرات وجوائز تعيد وهج القصيدة الشعبية، وأمدها كذلك إلى مؤسسة بدر بن المحسن الحضارية، فمؤسسها رأس الحداثة الشعرية، وإلى جمعيات الثقافة والفنون التي غفل بعضها عن هذا الملف الأدبي، راجيا ألا يقتصر الجهد على الشعر، بل يتصل إلى الرواة، والقاصين الشعبيين، والفلكلور، والغناء، والتأليف، والأمثال والحكم، وإحياء فنون الأحاديث الشعبية، مثل «الغوص» الذي يطلق على قول أحدهم قصة يرمز فيها إلى أمور عميقة يفهمها قبيله، فيرد القبيل بقصة أخرى يفهم السابق أنها ردا على ما ابتدأه، وكذلك فنون الحديث الشعبي في المناسبات الاجتماعية، والإعلام والإخبار، ولكل هذا رموزه في مناطق مختلفة من بلادنا، وتقديمها يحافظ عليها من الاندثار.

ahmad_helali@