الرأي

التنمر وحش يهدد أبناءنا في المدارس

عمر العمري
من المحزن جدا أن تشاهد طفلا يتألم وهو يعاني من الألم النفسي أو الجسدي الناجم عن التنمر، ومن المحزن أكثر بل من المبكي أن يتوقع أن هذا قدره، ولا يمكن لأحد أن يساعده.

كثير من الآباء والأمهات يحتارون فيما يفعلونه لحماية أطفالهم من التنمر والعنف، في حين لا يعرف آخرون ما إذا كان أطفالهم ضحايا لسلوكيات مؤذية أم لا، ومن هنا يستوجب اتخاذ قرارات عاجلة وضرورية لدارسة سلوكيات الطلاب، ومستوى العدوانية والتنمر لديهم، ودراسات مسحية لقياس مستوى أمان البيئة المدرسية لأبنائنا الطلاب، ونسبة حدوث الإيذاء اللفظي أو الجسدي لهم، ورصد عدد حالات المشاجرات أو الخلافات بين الطلاب داخل المدرسة أو خارجها، وما الإجراءات المتخذة لردعها، أو الحلول المقترحة لمواجهة هذه السلوكيات البالغة الخطورة، ولها نتائج سلبية تؤثر على العملية التربوية والتعليمية، وعلى اتجاهات الطلاب نحو حياة سوية.

أثبتت الدراسات السابقة أن التنمر موجود في كل المراحل الدراسية، مع اختلاف النسب بين اللفظي والبدني وشدة العنف، وأن أعلى نسب التنمر كانت في المرحلة المتوسطة (بداية فترة المراهقة) والثانويات ليست ببعيدة عن ذلك، وفسروا ارتباط العنف ببداية فترة المراهقة بسبب التغيرات الجسمية المطردة والنشاط الهرموني المتزايد، وبالتالي يؤدي ذلك إلى سلوكيات عدائية مع المحيطين من الأقران، والشعور بالحاجة إلى تكوين هوية مستقلة، مما يؤدي إلى حدوث صراعات عدة بسبب تعارض الأفكار، وهذا يدفع بالمراهق إلى إظهار المقاومة والميل إلى العنف لتحقيق رغباته وجذب الانتباه، وكسب الاحترام من الأقران والمحيطين، أو هكذا يعتقد.

سلوك التنمر أو الاستقواء إيذاء للنفس وللمحيطين وللممتلكات والبيئة، وإذا كان الأصل في الأطفال البراءة إلا أن الاستعداد موجود لتمثل الطباع السيئة، خاصة إذا ساندت البيئة المدرسية ذلك، من خلال ضعف المراقبة لسلوكيات وألفاظ الطلاب، وقلة نشر الوعي المستمر بنبذ التنمر وسلوكياته، وأنه من المخالفات المنصوص عليها وفق لائحة قواعد السلوك والمواظبة، دون إغفال تأثير مشاهد العنف في الأفلام أو ألعاب الفيديو، وما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي (وبرامج البث المباشر)، وغيرها مما يتشربه أبناؤنا كل يوم، ويجعل من السلوك العدواني قنبلة تنذر بخطر يهدد أمن المجتمعات، ممثلة في المدارس والأسر، فكثيرا ما كان مصير بعض المراهقين الالتحاق بمراكز الأحداث، بسبب العدوان والعنف والاعتداء على الآخر.

وتتصدر المدرسة المواقع الأهم في المراقبة الشاملة لطلابها، لتجنبهم الانخراط في سلوكيات الاعتداء والعنف والإضرار بالآخرين، وإجراء الدراسات النفسية والاجتماعية المستمرة لقياس مدى الاستعداد لذلك، لكيلا تكون المدرسة سببا في تعاسة الطفل، بسبب ما يتعرض له من اعتداء أو سخرية أو تجريح، وإذا لم تتوقف هذه السلوكيات سيكون لها تأثيرها العميق على حياة الأطفال النفسية والصحية والتحصيلية، أو فقدانهم لا قدر الله.

الدول المتقدمة عانت من قضية التنمر، وقامت بوضع برامج وقائية للتخلص من هذا السلوك. إسبانيا طرحت مشروع «لنتعلم معا بروح التضامن والإخاء».

اليابان وضعت دليلا خاصا لمواجهة أزمات العنف والاعتداء يستخدمه المعلمون والمرشدون. أمريكا وكندا والاتحاد الأوروبي قاموا بحملات وبرامج وطنية متخصصة لمواجهة التنمر، دُعمت بخطوط ساخنة يستطيع الطلاب خلالها عرض قضاياهم المتعلقة بالتنمر، إضافة إلى برامج متخصصة في بقية الولايات كانت لها نتائج إيجابية في الحد من سلوكيات التنمر والإيذاء.

يحق لأطفالنا أن يتمتعوا ببيئة آمنة، تحترم كرامتهم وتجنبهم جميع أشكال العنف النفسي والبدني، لذا نحتاج إلى برامج وطنية عاجلة (وقائية وعلاجية)، لمواجهة سلوكيات التنمر والإيذاء في مدارسنا.

@3OMRAL3MRI