الرأي

شاهد شاف كل حاجة

ياسر عمر سندي
أن يرمي بك القدر ويشاء القدير أن تصبح شاهدا على من حولك وتساعدهم في التغيير؛ ويتم استقدامك من بلدك لتعمل وتبحث عن لقمة عيشك ومصدر رزقك الوحيد لك ولأسرتك ولأقاربك ومن أعانوك لتستجمع نقودك وتهاجر وتحقق أمنياتهم قبل أحلامك؛ وفجأة تستوعب أنك أصبحت جزءا من عائلة تتأقلم معها في الغربة لتعد الأيام والساعات بل الدقائق أحيانا لمحاولة تصبير النفس لعلها تتقارب الفجوة وتصغر أملا في العودة مرة أخرى لملاقاة أحبابك في بلدك الأم مسقط رأسك وذكرياتك وحياتك.

بطلنا اسمه «شاهد» عاش أحداثا دراماتيكية كبرى مع شخوصها الخمسة وكان لاعبا محوريا في تغيير مسار أسرة مكونة من أب وأم وثلاثة أبناء يبلغ من العمر الآن واحدا وستين عاما وهو من جنسية آسيوية وفد للسعودية قبل أكثر من أربعين سنة ليعمل حارسا لفيلا كبيرة يلاحظ شؤونها ويتفقد أحوالها بالإضافة إلى الاهتمام بأمور التشجير والنظافة؛ الأب رجل أعمال والأم ربة منزل أنجبا أولادهما الثلاثة في فترة وجوده معهم.

يستطرد شاهد حديثه قائلا: جئت إلى المملكة وأنا لا أتحدث اللغة العربية ولكن في قرارة نفسي عقدت النية أن أكون قريبا من بيت الله الحرام والمدينة المنورة لأداء المناسك والعبادات بكل يسر وسهولة وحرصت على حفظ القرآن الكريم بدعم وتشجيع من الأب والأم.

كبر الأب في السن وأصبح عاجزا عن الحركة كذلك الأم بدأت تتثاقل ولم تعد تخرج من المنزل؛ وتقدم شاهد في العمر أيضا؛ أصبح الأولاد في مرحلة الشباب، الأول لم يكمل تعليمه الجامعي وتزوج وانعزل بعيدا وأخذ نهج والده في تجارة الجملة والتجزئة للمواد الغذائية، والثاني اشتغل في أحد المصارف المحلية وهجر المنزل تماما، أما الثالث سافر ليكمل دراسته وعاد بخفي حنين وبسلوكيات مشينة مدمنا يتعاطى المخدرات والمسكرات.

بدأ شاهد يتألم من هذا الوضع العام لحال الأبوين وحال الأبناء؛ استمر في رعاية أبويه بحسب وصفه لهما لوجه الله تعالى إضافة إلى عمله الأصلي حتى أدرك أنه لا مفر سوى مواجهة الأبناء وبقسوة وتذكيرهم بعقوبة العقوق وجزاء البر حتى أنه انقطع عن السفر لزيارة أسرته وعائلته في بلده.

يقول شاهد: إن هؤلاء الأولاد لي الحق عليهم وأعتبرهم أبنائي وأسرتي؛ استمررت في نصحهم وتذكيرهم حتى أنهم باتوا يتذمرون ويتهربون من مواجهتي ومن استقبال مكالماتي؛ ولكن الإصرار على تغييرهم كان هدفي؛ ركز على الصغير حتى استقام سلوكه واستقر إعوجاجه أما الأوسط استطاع أن يقنعه بالعودة والاستقرار في منزلهم بحسب ما يصفونه «البيت الكبير» والأول أقنعه بأن يعيد ترميم الفيلا ويأخذ جناحا كاملا ليعيش هو وزوجته وأبناؤه بالقرب من والديه وإخوته.

كان بإمكان شاهد أن يتخلص من المسؤولية لكنها كانت شغله الشاغل ويقول: إنني أحسن لهم كما أحسنوا لي سلفا والدهم ووالدتهم ولن أتركهم إلى أن أموت أو يتوفاهم الله؛ ويردد ما جزاء الإحسان إلا الإحسان.

ليس بالضرورة أن يكون التغيير من الداخل ربما يشاء الله أن يأتيك من الخارج من شخص لا تتوقع منه ذلك يجعل الله فيه الخير الكثير ويكون هو سبب التغيير الذي لم تتوقعه ليأتي من بلاده وكأنما أرسل لتنفيذ مهمة شاءها الخبير «لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا».

فقد الأبوان الأمل في أبنائهم ولكن بطلنا كان شاهدا على العصر مؤمنا أن الأمل بيد الله وحده باق ما بقيت الحياة.

صحيح.. رب شاهد لم تلده أمك.

Yos123Omar@