الرأي

«ثورة الشك»

أحمد سهيل
أكاد أشك في نفسي لأني أكاد أشك فيك وأنت مني.

ما الشيء الأكثر قيمة بالنسبة لرجل بائس ظن أن بداخله فنانا صغيرا ينتشله كلما أسرف الواقع في فرض نفسه على الخيال؟ الفنان المسكين محكوم عليه بالعيش في الواقع حتى في خياله فيما يفكر في لحن، وهو حائر في قصيدة أو بينما هو يكتب عن دنيا ليست كهذه، يحمّل أفكاره أعباء العصر فيحد من خياله ليبدو كل شيء حقيقي.

حري بفنان أن يخلص للواقع وجدير بآخر أن يراه أقل إثارة وأكثر عقلانية. هي فكرة بغيضة محيرة تقيد العقل بصياغة الحقيقة كما شرعت، بخيال لا يتعدى عليها بيد أن وعي الفنان يدركه عندما يغيب أو يغيب عنه فيصبح أصدق ما يكون.

ولأن الإنسان الفنان بطبعه متمرد نراه وقد شق طريقه نحو أسلوب حياة يدفعه للخروج عن وقاره، في خياله وواقعه كثمل آمن بأن الدنيا لم تكن يوما سوى فقاعة من الحقيقة تذهب العقل بزيفها ولونها الباهت وأن فرط التفكير والهرب من الواقع هو الواقع الحقيقي والأسلوب الوحيد؛ لتقبل كل هذا الجنون ولصنع ما يستحقه الآخرين من تسلية.

بعد أن تأزمت الحالة الفكرية تخلى الناس وتراجع إيمان الكثير عن فكرة الغضب وكانت رؤية التغريب للمنطق قد رست بالعقل البشري على شواطئ التكرار والرتابة. لا يمكننا نحن البشر أن نصنع فنونا لا تصمد الليل والنهار، ليس في ذلك صوابا.

«بات الجموح شاب تعرض النسيان لذاكرته فراح يتهاوى ببطء».

يحكى أن هناك شابا أصابته حالة صحية شاذة، فأصبح ينسى صنيعه بالأمس، يخبره الطبيب أن ما يجابهه ليس بمرض، بل هي حالة غريبة سيعاني منها لوقت طويل؛ وذلك لغياب الدافع. رجل بذكائه؟ من الطبيعي أن يبدو له كل شيء مملا وعاديا. يوعز الطبيب حالة الملل تلك وانعدام الرغبة إلى عدم استقرار الأفكار داخل رأسه، والتي سارت كتفا إلى كتف مع أشد الأمور عداوة للعقل «الوقار».

«الوقار» الداء ذو الأوجه الكثيرة، يجلب العقل إليه إلى صمت لعين وهدوء ليس بعده غضب، يصرف الأفكار إلى ثورة تتآكل بلا مطالب وتندثر بملل، يقتل كل لذة ويفضح الأحلام بالوضوح. وأكثر.

A_LazyWriter@