الرأي

جواب الأسئلة في 92 عاما

صهيب الصالح
تحيي الأمة السعودية في هذه الأيام احتفالات اليوم الوطني السعودي الـ92 تحت عدد من المبادرات الاجتماعية وتمظهرات الفخر والاعتزاز التي تعمق وحدوية هذه الأمة وقيادتها، وقد تسابقت القطاعات الحكومية والخاصة والقطاع الثالث أيضا في محاولات تمثيل شيء من حالة الوجدان الوطني في هذه المناسبة من خلال ما طرحته من شعارات مبتكرة في المقاطع القصيرة المصورة واللوحات الإعلانية ورسائل الهاتف القصيرة، ولعل أكثر ما لفتني في تلك الشعارات هو الذي طرحته وزارة السياحة السعودية بعنوان «جواب الأسئلة» وهي قصيدة كتبها الأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد، إذ لم أستطع تجاوز حث هذا الشعار على طرح المزيد والمزيد من الأسئلة التي سيكون جوابها سعوديا وإن كانت بعيدة عن الشأن السياسي، لذا غصت في تجربة أن أردف كل سؤال بأسئلة أخرى عن هذه السعودية، وعن الجانب المعرفي الذي يمكن أن يكون غير معلوم قبل هذا الشعار، وهل السعوديون أمة أم مجتمعا تقليديا، وأسئلة أخرى عن البيئة الإقليمية والدولية التي قامت في أثنائها هذه السعودية، وعن هذا اليوم الوطني نفسه وقصة بدايته ومظاهر الاحتفالات به قديما، عن الرابطة التي تتوثق وتنمو فيها مكونات المجتمع السعودي وقيادته، وعن أدوار الأمة السعودية وأركانها وقاعدتها، وأخيرا سؤال المقارنة: ماذا تغير الآن؟

وبالطبع لا يمكن إطلاقا الإجابة عن كل هذه الأسئلة في مساحة كهذه ولكن يمكن الاكتفاء بطرح عناوين عريضة فقط في بعض المواضع، فحلول الذكرى الثانية والتسعين تعني أنه في عام 1930م كان الاحتفال الأول، وهو كذلك فعلا، لكن القصة -بحسب الوثائق- بدأت بمحاولة شعبية لم تكتب لها الموافقة السامية قبل ذلك بأربعة أعوام 1926م، وبعدها بعامين كانت هناك محاولة أخرى أكثر إلحاحا حينما كتبت الأهالي والعديد من الهيئات الحكومية والشعبية إلى الملك المؤسس -طيب الله ثراه- يلتمسون موافقته على الاحتفال السنوي باليوم الوطني ليكون لهم مرادهم هذه المرة، ويكون الاحتفال الأول في الثامن من شهر يناير عام 1930م الذي يصادف الذكرى الرابعة للجلوس الملكي، وأحيت الأمة السعودية في عهد الملك المؤسس 24 ذكرى حتى عام 1953م، إذ أقيمت حينذاك معالم الزينة ونصبت أقواس النصر وعطلت الدوائر الحكومية وأطلقت 21 طلقة مدفعية ورفعت الأعلام فوق الأسواق والمؤسسات والمنازل، وأصدرت طوابع بريدية خاصة وكتبت القصائد وبرقيات الاحتفاء والتهنئة من الشعب السعودي وبعض الشعوب العربية مثل الكويت والعراق ومصر، ومن المفوضيات والقنصليات الدولية، ومنها قصيدة شاعر الحجاز أحمد إبراهيم الغزاوي الذي قال فيها:

ألا إن هذا اليوم يوم مخلد يظل على كر الدهور له ذكر

تدل به عدنان في كل حقبة ويبدو عليها في مواسمه كبر

فقد سلكت نهج الحضارة واحتذى مثال أباة الضيم أبناؤها الكثر

وما مر إلا مثل ترجيع طرفة لبيعتهم حتى استقام بها السير

وبعد تولي الملك فيصل مقاليد الحكم في عام 1964م رأى مجلس الوزراء تحديد اليوم الوطني بيوم إعلان توحيد المملكة العربية السعودية في 23 سبتمبر 1932م، وقد أقيم الاحتفال الأول بهذه المناسبة في عام 1965م، لكن ومنذ الاحتفال الأول وحتى هذا الاحتفال كانت المملكة إحدى قلائل الدول آنذاك التي ينبع سلوكها من استقلالها وسيادتها، بينما كانت معظم دول المنطقة وشعوبها تعاني من ويلات الاستعمار ولم تتذوق طعم الاستقلال بعد، والمفارقة هي أن المملكة كانت رائدة في تحرير الشعوب العربية من أيادي المستعمرين ورافضة لتقاسم البلاد العربية، بدءا من اتفاق كوينسي عام 1945م الذي أسس لشرعية القضية الفلسطينية وحفظ أرضها مع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، مرورا بالجهود السعودية في تسجيل القضية الجزائرية في مجلس الأمن الدولي برسالة مؤرخة في عام 1955م ورفع المملكة علم الجزائر داخل مبنى الأمم المتحدة عام 1957م، وتلا ذلك اتفاق الطائف الذي حافظ على لبنان كدولة غير متقاسمة، وصولا إلى مبادرة السلام العربية وعاصفتي الصحراء والحزم التي أعادت دولتين عربيتين إلى الوجود.

وفي الحقيقة يصعب كثيرا حصر أدوار الأمة السعودية، لكني قصدت ذكر بعضها هنا فقط لتبيان أممية السلوك السعودي، فهو مجتمع غير تقليدي ولا يكتفي بالانطواء على نفسه، بل مجتمع بأمة كاملة يعتضد بثلاثة عوامل مهمة هي الاستقلال الحقيقي، يضاف إليه وحدوية الشعب والقيادة التي تجسدت في قصة الاحتفال الأول باليوم الوطني، إلى جانب الاستقرار الذي غالبا ما تشيع الأفواه الإعلامية بأنه نتيجة طبيعية للموارد النفطية، وهذا الرأي لا يعدو عن كونه أضحوكة؛ لأن المورد النفطي، ببساطة وربما بشيء من السذاجة أيضا، موجود أيضا في بطون الأراضي الليبية والعراقية والإيرانية أيضا مع فقدانها الاستقرار، وهذا يجعلنا نصل إلى نتيجة واضحة هو أن ما تغير في بعض البلدان العربية منذ 92 عاما هو إزاحة مسمى الاستعمار فقط مع استدعاء مستعمر آخر إما على الأرض أو في الوجدان، مع بقاء القابلية لاستعمار جديد في عدد آخر من الدول.

أما الأمة السعودية فهي مستمرة في أدوارها منطلقة من استقلالها وسيادتها ووحدتها فقط، وعلى غرار الدور الشعبي في الاحتفال الأول قبل 92 عاما، أنتهز هذه الفرصة لأدعو الجهات المختصة إلى البدء في الإعداد للاحتفال بيوم 8 يناير 2026م بمناسبة المئوية الأولى لجلوس الملك المؤسس على العرش تخليدا لنشره رواق الأمن والعدل ورفعه لواء العزة والمهابة.

9oba_91@