الرأي

وسم على ساعدي نقش على بدني

طلال الشريف
أجمل ما يمكن المشاركة به في يومنا الوطني هو الاعتزاز والتغني بتاريخنا الوطني والتباهي بمنجزاتنا في الوقت الحاضر وتطلعات رؤيتنا المستقبلية، وبداية من المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ورجاله الأوفياء - يرحمهم الله جميعا - تلك الشخصية الشجاعة والفريدة في ممارساتها القيادية، سعى لاستعادة الرياض ملك آبائه وأجداده، متوكلا على الله ومؤمنا بهدفه وبقدراته وبرجاله، ومرتكزا على عمق الحكم السعودي عبر تاريخ الدولتين السعودية الأولى والثانية، وكان له ما أراد وزيادة بأن اختاره الله وقيضه لتوحيد هذه البلاد تحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) في انصهار وطني وتنوع جغرافي ثقافي وحضاري عجيب في تاريخ الدول المعاصرة.

لقد كان الملك عبدالعزيز شخصية بارعة وعبقرية غير عادية كافح فيها وناضل لتوحيد أعظم بقعة على الأرض رغم ضعف المقومات والموارد والإمكانات المتاحة آنذاك، وقد شهد له بتلك البراعة كثير من الشخصيات التاريخية، فالزركلي في كتابه، شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز يقول «ليس من المبالغة ولا من الثناء أن أذكر أن عبدالعزيز كان عجبا، في سرعة الخاطر إذا تحدث، وفي قوة الحجة إذا أراد الإقناع، وسر القوة في حجة عبدالعزيز أن عقله كان يسبق لسانه، وأنه ينسى العاطفة أمام المنطق، ولا يقول إلا كما يعتقد، لم يكن يهيئ الخطبة كما يفعل أكثر الناس، يتحدث حين يخطب منطلقا على سجيته غير متأنق ولا متكلف فيفيض في الشطر الأول من خطبته -أو من حديثه- بما تمليه عليه ذاكرته من عظات يستمدها أو يستمد معاني أكثرها من الحديث النبوي الشريف ومن آيات كتاب الله ويأتي بالشواهد وقد يتمثل بالبيت من الشعر أو بالشطر يرد في كلامه عرضا لا على أنه قول ينشد ولكن على أنه كلام محكم يورد، ويتناول الموضوع، فإذا كان عاديا كافتتاح مشروع أو تحدث إلى فريق من الناس، تكلم هادئا متمهلا تتخلل قوله ابتسامة خفيفة تجتذب إليه قلوب سامعيه، وإن لم تكن الابتسامة فليس هناك عبوس ولا تجهم ولا يلمح على وجهه في أي حال ما يعلو وجوه معظم الخطباء من تحديق من قريب أو من بعيد، ومن اصطناع للجد، لا أثر للنكتة في خطاباته، ولا توقف لمعرفة رأي السامع فيما يقول».

وقال الكاتب كنث وليامز «مواهب ابن سعود الخطابية عظيمة، فهو يظهر مقدرة عجيبة في أحاديثه العامة والخاصة، وهو إذا تكلم تدفق كالسيل، يحب التحليل ورد الشيء إلى أصله، شديد الولع بتشريح المواضيع تشريحا يدل على ذكاء وفطنة ولباقة، يخاطب البدوي بلهجة البدوي، والحضري بلهجة الحضري، وما استمع أجنبي إليه إلا خرج مفتونا بحديثه»، ووصف الدكتور فون دايزل النمساوي الذي زار المملكة عام 1926م الملك عبدالعزيز بالنابغة، مستشهدا بالقول: إذا عرفتم أن ابن سعود نجح في تأليف إمبراطورية تفوق مساحتها مجموع مساحات ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، معا بعد أن كان زعيما لا يقود في بادئ الأمر سوى عدد من الرجال تمكن بمساعدتهم من استرداد الرياض عاصمة أجداده، لم يداخلكم الشك في أن هذا الرجل الذي يعمل هذا يحق له أن يسمى «نابغة».

وتعاقب على الحكم بعد المؤسس ستة من أبنائه الملوك على مدى سبعة عقود وأكثر، كانوا فيها خير خلف لخير سلف، حققوا فيها من الإنجازات الوطنية ما لا حصر له ولا عدد، دونها التاريخ لهم بمداد من ذهب، حافظوا فيها على أمانة الحكم ومبادئه الراسخة وتعزيز الوحدة الوطنية ومكانة الدولة ودورها الإسلامي في خدمة الحرمين الشريفين ورعاية ضيوف الرحمن بتوسعات الحرمين الشريفين وتسهيل سبل الوصول للمشاعر المقدسة، والوقوف على مصالح الشعب وتوثيق عرى الصلات بين الحكام والمحكومين بانتهاج سياسة الباب المفتوح، وإثراء الاقتصاد الوطني بالعديد من المشروعات التنموية الوطنية في مختلف القطاعات وخاصة القطاعات الأمنية والتعليمية والصحية.

وفي ذكرى اليوم الوطني (92) يحسب لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- إنجازات غير مسبوقة للدولة أعاد فيها تنظيم وترتيب بيت الحكم وأجهزة الدولة بنظرة ثاقبة ورؤية للمستقبل مختلفة جذريا عن مراحل الحكم السابقة، حيث عمل على إعادة هيكلة أجهزتها الحكومية ونظم سياستها الداخلية والخارجية، وأوجد لها صورة حديثة تتناسب ومقوماتها الدينية والجغرافية والاقتصادية والسياسية ومكانتها الإسلامية والدولية، وكان أبرز وأشجع قرار إتاحة الفرصة للشباب بالمشاركة في الحكم وتوليتهم المناصب السياسية والإدارية في أجهزة الدولة المختلفة، واختيار الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد وتمكينه من إدارة شؤون الدولة وتنفيذ توجيهاته الكريمة لإيمانه بقدراته ومهاراته ومواهبه وكفاءته، والتي أثبتتها الأيام منذ تقديمه لرؤية المملكة 2030 وإقناع المواطنين ببرامجها وإشراكهم في بنائها وتحمل المسؤولية في نجاحها حتى أصبحت جزءا من نشاط وطموحات المواطنين والمقيمين، والعمل الدؤوب والجاد ليل نهار، والإشراف المباشر على برامجها النوعية، والقدرة على التعامل مع الأحداث والاضطرابات الخطيرة التي يعيشها العالم عموما ومنطقتنا على وجه الخصوص بحكمة وحنكة سياسية مكنته من حماية مصالحنا الوطنية والمحافظة على كيان الدولة ووحدتها واستقرارها وعلاقاتها المتميزة مع دول العالم، والدور الفاعل في حفظ السلم والأمن الدوليين.

راهن الأمير محمد بن سلمان علينا كشعب قادر على تحقيق المعجزات وخاصة الشباب، وأعاد اكتشاف مقومات الدولة واستثمارها بصورة صحيحة، وقادنا بكل شجاعة نحو طريق المنافسة العالمية في مختلف المجالات السياسية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية والثقافية، للوصول إلى جودة الحياة التي ينشدها سموه للمواطن والمقيم، حتى جعلنا محط أنظار العالم ووسائله الإعلامية للحديث عن التحولات التي نعيشها والنجاحات الباهرة التي حققناها في زمن قياسي في عمر التحولات والإصلاحات على مستوى الدول، ومستوى التفاعل بين الحكومة والمواطنين والمقيمين، بل وذهب بنا عراب الرؤية إلى أبعد من ذلك فأصبحت رؤيتنا الوطنية حلما لكثير من الشعوب، وأنموذجا للعالم النامي في عملية إحداث التحولات النوعية في إدارة الدولة ونمو الاقتصاد.

وضع عراب الرؤية المواطن المحور الأساسي للرؤية ومبادراتها وبرامجها، وحققت استراتيجيات الرؤية على أرض الواقع وبالإحصائيات والأرقام التي تصدرها الجهات الرسمية والمتاحة للجميع، وبشهادات المنظمات العالمية المتخصصة إنجازات عظيمة رغم قصر المدة الزمنية التي انقضت من عمر الرؤية، ومع نهاية ثلثها الأول حققت ما عجزت عنه الخطط الخمسية على مدار أربعين عاما، وخاصة في تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للإيرادات الوطنية، فزاد نمو الاقتصاد وخاصة في الأنشطة غير النفطية واستعادة الاقتصاد عافيته إلى ما قبل جائحة كورونا مما ساهم في تقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي، وعززت دور صندوق الاستثمارات العامة كونه المحرك الفاعل خلف تنوع الاقتصاد، بإطلاقه قطاعات وتأسيس شراكات اقتصادية وفرص جديدة للاستثمار لتعظيم عوائده، حتى أصبح من أقوى الصناديق السيادية على مستوى العالم.

ونجحت استراتيجيات الرؤية في مواجهة التحديات الطارئة، وأثبتت كفاءتها من خلال المرونة التي وفرتها في مواجهة تلك الأزمات والتعامل معها بإيجابية كأزمة كوفيد-19 العالمية وما نتج عنها من آثار صحية، وذلك بشهادة العالم والمنظمات العالمية المتخصصة في مكافحة الوباء وقياس الأثر الصحي ومؤشرات التعافي، وفي مستوى الأبحاث العلمية حول كورونا، وكذلك النجاح الكبير مع أزمة إغلاق المؤسسات التعليمية والتحول السريع نحو التعليم عن بعد في استثمار نوعي للتقنيات المتاحة والعمل الجاد على معالجة الفاقد التعليمي والحد من آثاره، ومساعدة الشباب على الجاهزية للدخول إلى سوق العمل المحلي والعالمي، وتنمية ثقافة العمل وتوفير فرص التعليم مدى الحياة، وتشجيع مشروعات الابتكار والإبداع.

ونجحت أيضا في قطاع الترفيه بتوفير الخدمات الترفيهية الجاذبة في مختلف مناطق المملكة من خلال إقامة عشرات الفعاليات، وتنشيط قطاع السياحة باعتماد بعض الاستراتيجيات الوطنية للمدن السياحية وتحسين كثير من المرافق والخدمات السياحية ودعم التوجه نحو الانفتاح على العالم بإطلاق التأشيرة السياحية الالكترونية التي يمكن الحصول عليها الكترونيا خلال دقائق بما يسهل زيارة الأماكن السياحية في المملكة وآثارها وتراثها ويسهم ذلك في تنشيط قطاع السياحة ورفع نسبة إسهامه في الناتج المحلي وتوليد فرص عمل لأبناء وبنات الوطن، واستضافة كثير من التظاهرات العالمية المرموقة الضخمة كـ «الفورملا ورالي داكار وإكستريم إي».

وبذلت جهودا كبيرة في معالجة أزمة الإسكان ودعم الأسر الأشد حاجة من خلال برنامج الإسكان التنموي، وعززت مفاهيم وممارسات النزاهة ومكافحة الفساد وترسخت ثقافة المحاسبة على مستوى الجهاز الحكومي والمواطن، وعملت كذلك الرؤية على أنسنة المدن بزيادة المساحات الخضراء والمساحات المهيأة للمشي وممارسة الرياضات في جميع مناطق المملكة.

في مثل هذا اليوم من كل عام سنحتفل بتقدم إنجازاتنا في مشروعاتنا الاقتصادية الوطنية العملاقة كمشروع نيوم والبحر الأحمر وأمالا وبوابة الدرعية ووسط جدة والقدية الترفيهي وذا لاين وأوكساجون وكورال بلوم ومشروعات الطاقة المتجددة وحديقة الملك سلمان وتطوير المواقع التاريخية والآثار الإسلامية وغيرها من المشاريع.

هي لنا دار، شعار يومنا الوطني، يوم حب ووفاء، يجسد الانتماء والولاء لوطن وقيادة غير كل الأوطان والقيادات، ويحملنا مسؤولية استشعار عمق العلاقة بين المواطن ووطنه، ويرسم في مخيلاتنا أجمل صور المستقبل المشرق لنا ولأجيالنا القادمة. ومن على لسان علي صيقل:

وسم على ساعدي نقش على بدني

وفي الفؤاد وفي العينين يا وطني

drAlshreefTalal@