الرأي

أرنب السباق

علي المطوع
في مسابقات العدو الكبرى، يشترط اللاعبون الكبار ورعاتهم على المنظمين وجود متسابق يسمى في عرفهم الرياضي (أرنب السباق)، هذا الأرنب أو المتسابق منتهى حلمه أن يكون في المضمار تحت الأضواء الكاشفة، مهمته الرئيسة رفع إيقاع السباق وخفضه في مراحل محددة بهدف إضافة شيء من الإثارة والتشويق للعبة وصناعها ورعاتها.

هذا الأرنب عادة ينطلق بسرعة عالية في بداية السباق، ويكون المرشحون الكبار خلفه يضبطون سرعتهم على سرعته بحيث يبقى هذا المتسابق تحت أنظارهم، تاركين له المقدمة مؤقتا حتى حين.

وبالمثل في السياسة ومضاميرها يتم اختيار دولة أو منظمة شرعية أو محظورة؛ لتكون أرنب سباق يحضّر ولا يحضر ويتأثر ولا يؤثر، حسبها من الحضور أن تكون محطة تجمع الفرقاء، أو بنكا يمول كل تقارب تعجز أو تمتنع الدول الأخرى عن فعله.

وقد يكون هذا الأرنب شخصا يحاط بهالة كبيرة من التقدير والاحترام ويصبح بين عشية وضحاها قائدا ملهما صنعه الظرف التاريخي ومتطلباته، وبعد ذلك يختفي من المشهد بعد أن يكمل المهمة التي من أجلها أحضر، ولنا في ثورة الضباط الأحرار شاهدا على ذلك، فهذه الثورة بدأت بنجيب كقائد لها وبعد عامين تم إزالته من المشهد بل من التاريخ بالكلية.

وفي عالم العلاقات الشخصية البسيطة، يلحظ الإنسان الحصيف أنه قد يستغل كأرنب مرحلة، كأن يختار فجأة ليكون همزة وصل بين شخصين أحدهما يريد التعرف على الآخر ويكون هذا الأرنب الوسيلة المثلى لتحقيق هذه الرغبة، وما أن يحقق الآخر مراده من هذه العلاقة فإن هذا الأرنب الاجتماعي ينتهي دوره وتقطع العلاقة معه ويصبح عند الآخر أثرا بعد عين.

وفي عالم الإدارات وتحديدا في الإدارات المترهلة التي يجثم على صدرها مدير ماكر، فإنه يقوم بتصيد هؤلاء الأرانب وجمعهم مؤقتا في زرائب معدة لهم، ليتم تشغيلهم كيفما شاء ويكون ذلك من خلال تقربه منهم وإعطائهم هامشا من المنفعة المادية والمعنوية، ليستخدمهم كوسائل وأدوات تحقق مراده، كأن ينتقم من موظفين كانوا وما زالوا خارجين عن تغطيته وسيطرته.

هؤلاء الأرانب يظنون أنهم بهذه المهام قد أصبحوا حجر الزاوية في هذه الإدارات وأن لهم مكانة وتأثيرا يشفع لهم بممارسة مهامهم كمؤثرين في صناعة المشهد، هؤلاء يتم تدجينهم عن طريق المدير الماكر في الأقبية المظلمة وفي الجلسات الخاصة، بعد أن يسبغ عليهم نياشين المدح والإطراء ثم يختم طقوسه التأهيلية بمقولته المأثورة: «أريدكم رجالا تبيضون بوجهي»، والحقيقة أنه يحتقرهم في داخله ويراهم مجرد أرانب مدجنة ستصبح غدا قربانا لنجاحاته ومشاريعه الشيطانية المتمثلة في أذية المساكين الذين يخالفونه ويختلفون معه.

مهمة هذه الأرانب رفع إيقاع الأذى في هذه الإدارات من خلال البحث عن زلات الآخرين وتضخيم أخطائهم، لتصبح هذه المهمة وصفا وظيفيا يؤطرهم أمام ذواتهم البئيسة والأهم أمام مديرهم المتربص، كل ذلك من أجل أن يرضى عنهم، كونه موجههم الأول الذي علمهم الجري في مضامير المنافسات الإدارية لا إراديا ولا إداريا ومهامهم تتلخص في إيقاف مسيرة وسير هؤلاء الناجحين الأكفاء، وتعطيل حضورهم من خلال إشغالهم بقضايا جانبية ليس لها علاقة بمهامهم الرئيسة.

كثيرة هي الأمثلة لمثل هذه الحالات، ولكن دعونا نختم المقال بهذا السؤال، هل سمعتم قط عن أرنب سباق فاز بجائزة كبرى؟ جوابي لا؛ لأن هذه النوعية من المخلوقات لا تستطيع العيش مستقلة، فهي تعيش بمفهوم القطيع الذي تجمع أفراده طبلة طبال وجزراته، وتفرقهم مصالحه الخاصة وعصاه الغليظة التي يهش بها عليهم تبعا لاحتياجاتهم الوقتية ووفق ما تقتضيه مآربه الأخرى.

alaseery2@