ولِمَ لا ندلع المتقاعدين؟
الاثنين / 19 / ذو القعدة / 1437 هـ - 19:45 - الاثنين 22 أغسطس 2016 19:45
يقول الدكتور خليل كردي بلاش دلع للمتقاعد، وأنا أود أن أرد عليه لماذا لا يتدلع بعد هذا العمر؟ وكم بقي له من العمر؟ ألا يستحق أن ندلعه كما يدلع المتقاعدون في جميع أنحاء العالم؟ فمثلاً في أمريكا يدعى المواطن الأول، وفي بريطانيا يدعى المواطن المقدم، وتقدم له امتيازات خاصة في كافة المجالات. ألا يستحق أن يرتاح بقية العمر المتبقى له في عز وكرامة، لقد قال الرسول الكريم صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ». «إن من إجلال الله إكرام كل ذي شيبة»، أليس هو الذي أفنى عمره للقيام بواجبه في رفع اسم هذا الوطن في مجال عمله؟ أليس هو الذي قضى أيام شبابه لكي نصل إلى ما وصلنا إليه؟ أليس هو الذي أمضى شبابه ليكون لهذا البلد اسم عال بين البلدان الأخرى؟ أليس هو الذي أفنى عمره للقيام بواجبه في الدفاع عن الوطن؟ أليس هو الذي عاش زهرة عمره للنهوض ببلدنا والرقي به لأعلى المستويات؟ أليس هو الذي جاهد وتعب وقضى شبابه لنسعد نحن من بعده؟
لقد كان يعمل لنرتاح نحن من بعده، وقضى عمره لتكون الأجيال من بعده في عزة وكرامة. أنا أعتقد أن كل ذلك يدعو إلى تدليله وإعطائه حقه ليعيش باقي عمره في سعادة ورخاء، لأن كل ما نحن فيه بفضل الله وبما قام به هؤلاء المتقاعدون، وأقل واجب علينا أن نعيشهم عيشة كريمة تحفظ لهم كرامتهم بقية حياتهم. ولنأخذ مثالاً من الدول التي تدلع متقاعديها، ففي النرويج حيث تم إلزام الشركات العقارية والاستثمارية بتوفير وحدات فندقية خاصة للمتقاعدين، تتوافر فيها كافة الخدمات 5 نجوم من خدمات طبية وتمريضية وخدمات ترفيهية ورياضية مثل برك سباحة وصالات ألعاب، حيث اعتمدت في ذلك إصلاح الحالة المادية والترفيهية والصحية، ونوعية الحياة لكل المتقاعدين أو من يزيد عمره عن خمسة وستين عاماً مع تقديم خدمات تلبي توقعاتهم وطموحاتهم لقد سعت الحكومة النرويجية إلى تطبيق رعاية نوعية ومتميزة لهم لوصولهم إلى السن القانونية.
إن اعتبار المتقاعدين الجيل الأول الذي قدم خدماته وقام بواجباته وباعتبارهم جزءاً من الثروة القومية، لما لهم من خبرات وكفاءات وما قاموا به من بناء البنية التحتية للاقتصاد والصناعة والتجارة وخلافه التي نعيشها، كما أن المؤسسات العامة والخاصة النرويجية تعمل على توظيف كافة الإمكانيات والوسائل لرعاية هذه الشريحة.
وعمل لهم نظام جديد ينص على ضرورة استفادة الشركات والمؤسسات الاقتصادية والتجارية والعلمية من خبرات هذا الجيل لما له من نضج عملي ونفسي، عن طريق استحداث وظائف تحت مسمى (مستشارين)، يمارس من خلالها كبار السن دورهم في العمل والتطوير لتدريب الأجيال من بعدهم ليكملوا المسيرة بدلاً من بقائهم في بيوتهم خاصة أولئك الذين تعودوا مشاركة الآخرين أنشطتهم الفكرية أو البدنية المتنوعة.
فيجب علينا تطوير ثقافتنا ونظام مفاهيمنا وألفاظنا لمثل هؤلاء وننعم بعقلية حضارية وروح اجتماعية، تسعى عبر طرق ومبادرات حضارية، تؤسس فيها المؤسسات لرعاية هذه الشريحة الاجتماعية التي قامت بدورها الوطني، إبان شبابها وقوتها، وحان الوقت لرعايتهم من جانب مؤسسات المجتمع تقديراً لهم وعرفاناً بالجميل عن الأدوار التي قاموا بها في بناء المجتمع والوطن كل في مجاله.
ونحن بأمس الحاجة إلى إعادة النظر في نظمنا الاجتماعية، وأعرافنا السائدة، التي تتعامل مع المتقاعدين.
ومن واقع تجربة كنت في بريطانيا وركبت الباص فقال لي السائق إن هناك بطاقة كبار السن تمنحك خصم 50% وكذلك في المرافق الأخرى، ففي السينما منحت السعر الخاص بالمتقاعدين بدون أي إثبات، لذلك وفي أمريكا بمجرد أن أخبر الاستقبال بأن لي زميلا وهو متقاعد يمنح خصم 50% من أجرة الفندق، وهكذا في معظم الدول.
وإنني أدعو من هذا المنبر كما دعوت عدة مرات من قبل إلى عمل هيئة لشؤون المتقاعدين لرعاية مصالحهم وبنك يقرضهم الأموال لتحقيق ما لم يحققوه في حياتهم العملية، فإن منهم من لديه طاقة كبيرة للإنتاج والعطاء ومواصلة خدمة هذا البلد، وهذا لن يؤثر على توظيف الشباب، لأنه طريق مختلف عن مسارهم، بل يساعد على خلق أجيال مدربة تتخرج من تحت أيديهم.