الرأي

من سرق الصندوق؟

علي المطوع
هذا الصندوق ليس صندوقا أسود لطائرة منكوبة، وليس صندوق النقد الدولي الذي يسهم - كما يقال - في زيادة رخاء الشعوب! وبالتأكيد لا يمكن أن يكون ذلك الصندوق الذي مات من أجله خمسة عشر رجلا في رواية جزيرة الكنز الخالدة.

صندوقنا اليوم: هو ذلك الصندوق الذي يقترن عادة بالتفكير الإبداعي لحل المشاكل والمعضلات، ولكنه اقتران من الخارج، بمعنى أنه عندما يراد وصف فكرة غير مسبوقة يقال إن صاحبها فكر خارج الصندوق، لا أدري لماذا لم تكن تلك الفكرة داخله؟ ولماذا كان الخارج هو الشرط الأساس لتكون تلك الفكرة فكرة إبداعية وغير مسبوقة؟!

في مجتمعاتنا الإدارية يكثر عقد ورش العمل التي تستهدف حل المشاكل أو الوصول إلى آليات جديدة تنقل بيئات الأعمال إلى فضاءات أرحب من التطور والإنتاجية، هكذا يقال، ولكن الواقع يخالف ذلك ويختلف معه؛ فبعض المتنفذين في تلك البيئات يرى نفسه هو الصندوق الذي لابد أن تنطلق منه الرؤى والأحلام والقضايا والحلول، فمن خلال سيطرته الدائمة على مفاصل منظومته والعاملين عليها، يصبح هو الكل في الكل كما يقال، فالأفكار أفكاره والقرارات مسؤولياته، والباقون مجرد (كورال) يرددون اللحن ذاته دون خروج على النوتة المعدة سلفا، التي باتت هي السلم الذي عليه يصعد المنتفعون ويقولون ما لا يفعلون، هذا النوع من المتنفذين يكره الإبداع وأهله، ويمقت كل صاحب فكرة خلاقة عميقة تخرج عن مسار إرادته وإدارته وطريقة تفكيره.

التفكير خارج الصندوق في البيئات الإدارية المختلة، يكون أقرب الطرق للانتحار الوظيفي، فالموتورون في هذه البيئات لا يحبذون كل صوت يخرج عن نطاق صورهم وتصوراتهم، فهم يرون في تلك الأصوات مساسا بشخصياتهم المهترئة والمحترقة أصلا، نتيجة لأساليب التكرار التي باتت تؤطر تلك الإدارات وتجعلها أسيرة لذات اللحن وذلك الصوت النشاز.

أما بقية أعضاء الجوقة الذين امتهنوا الترديد دون تردد، وفق ما يريده مايسترو النشاز، فهم في بعض الأحيان أغلبية ساحقة ماحقة، ساحقة ببغائية تجعلها الصدى لذلك الصوت الأوحد، وماحقة كونها تحارب كل مختلف ينشد التغيير إلى الأفضل والأجود، هؤلاء (الكوراليون) نصيبهم من الحضور قال المايسترو، ومن التأثير صدق المايسترو، ومن استشراف المستقبل سيعمل المايسترو، ومن الآليات حثنا المايسترو، ومن الأحلام المستقبلية (بحلم بيك أنا بحلم بيك)، هؤلاء بحساب العدد هم القلة المتكاثرة وبنوع العدة فقراء لا تسعفهم إمكاناتهم لإحداث أي تغيير ينقل تلك البيئات إلى فضاءات أعم وأرحب وأكمل وأمثل.

وقبل الختام يحضر السؤال، أين الصندوق؟ وماذا بقي من أعلامه ومعالمه؟ والجواب: لقد طمست علامات ذلك الصندوق وأصبح التفكير في المشاكل الإدارية سواء داخله أو خارجه أمرا مستبعدا ومكروها، كون التفكير في هذه البيئات تجاوز لا يغتفر وخطيئة يجب على المفكر أن يستغفر ربه على فعلها كونه تجاوز على مفاهيم إدارية ما عادت تؤمن الا بالصوت الواحد وهو صوت الآسر الأسير الذي اختزل الصندوق وطرائقه في رأيه ورواياته، فكان حضوره هو التفكير داخل الصندوق وغيابه هو التفكر خارجه، وبين التفكر والتفكير تعلو أصوات الناعقين في تلك المنظومات: عاش المدير وعاشت أفكاره النيرة.

alaseery2@