الرأي

المحتوى المحلي.. ركيزة اقتصادنا السعودي الصلب

برجس حمود البرجس
أحد المحددات الاستراتيجية التي ترتكز عليها رؤية المملكة 2030 هو تنويع القاعدة الاقتصادية الوطنية، وذلك عبر تعزيز المحتوى المحلي في القطاعات المختلفة من خلال توطين الصناعات الوطنية ونقل المعرفة، وتنمية خبرات الكوادر الوطنية من الجنسين وخلق الفرص الوظيفية للشباب والشابات السعوديين.

لم تعد تنمية قطاعات المحتوى المحلي بالنسبة للاقتصاد الوطني خيارا تكميليا، بل ضرورة استراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة وتنمية القطاعات الاقتصادية غير النفطية، وهي الإشارات التي أكدها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- في أكثر من سياق ومحفل، وهو ما اتجهت له فعليا الدول المتقدمة التي نجحت في بناء اقتصاد متين ومتنوع قائم على صناعاتها الوطنية.

ربما يتساءل البعض: ما الفائدة المرجوة من تعزيز المحتوى المحلي؟ وهو سؤال في غاية الأهمية، وللإجابة: المحتوى المحلي الوطني هو ما يجعلنا مكتفين ذاتيا من أبرز الصناعات والسلع التي نحتاج إليها والتي اعتدنا على استيرادها.. أليس من الأولى أن ننتجها بأنفسنا؟ وليس ذلك فحسب، بل يرفع من مستوى الصادرات السعودية إلى الخارج، وهناك خطة وطنية تشرف عليها هيئة تنمية الصادرات السعودية؛ لخلق التوازن بين «الاستيراد والتصدير»، والأهم من ذلك إسهامه المباشر في خفض نسب البطالة بين المواطنين والمواطنات، ويعزز من خبراتهم المهنية في مختلف القطاعات، فضلا عن تعزيز كفاءة الإنفاق على المستوى الوطني،سواء على مستوى الشركات المملوكة للدولة، أو القطاع الخاص الذي يعول عليه الكثير في رفع وتيرة الاقتصاد السعودي بعيدا عن تقلبات حسابات النفط.

خلال الأسبوع الماضي، حرصت على حضور بعض جلسات منتدى المحتوى المحلي الأول، الذي نظمته هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية، ووجدت فيه بعض الإجابات التفصيلية، لكن بعض ما استوقفني في المنتدى ما طرحه المهندس عبدالرزاق العوجان، الرئيس التنفيذي لهيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية، والإنجازات المتحققة التي تمت بالشراكة بينها وبين هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية، ولضيق المساحة سأكتفي بسرد بعضها، ومنها: تفعيل دور الشراء الاستراتيجي من خلال الاتفاقيات الإطارية بهدف تعظيم المحتوى المحلي ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ومراجعة واعتماد إضافة أكثر من 410 منتج وطني للقائمة الإلزامية في مشتريات الجهات الحكومية، واقتراح التعديلات على نظام المنافسات والمشتريات الحكومية ولائحته التنفيذية، وتعظيم فرص كفاءة الإنفاق والمحتوى المحلي في الكراسات التي تطرحها الجهات الحكومية، فضلا عن تطوير وتحديث منهجيات الشراء الاستراتيجي لتعظيم الأثر من حجم الشراء الحكومي، وأخيرا إعداد دراسات الجدوى لفرص توطين الصناعة والقوائم الإلزامية للمنتجات الوطنية.

محصلة التعاون الاستراتيجي بين هيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية وهيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية يتمثل في مراجعة أكثر من 1100 منافسة بقيمة تقديرية تتجاوز 100 مليار ريال، تمكنتا من خلاله من تفعيل لوائح هيئة المحتوى المحلي في المنافسات الحكومية، فضلا عن تمكين الجهات الحكومية من تفعيل آلية التفضيل السعري للمنتجات الوطنية، وهو ما أسهم في اعتماد مستهدف الحد الأدنى للمحتوى المحلي لأكثر من 160 منافسة بقيمة تتجاوز 38 مليار ريال.

النتائج السابقة هي أمثلة ليست للحصر، إذ تؤكد أن المحتوى المحلي ليس كما يظن البعض للوهلة الأولى أنه عبارة عن واجهة صناعية، بل إن الأمر يتجاوز ذلك من خلال تهيئة البنية التحتية من القرارات والتشريعات التي تهيئ لنا أرضية لبناء اقتصاد وطني متنوع، وهذه المهمة ليست بالسهلة، بل تحتاج إلى عمل منهجي عميق حتى نصل بمحتوانا المحلي إلى رفع معدلات النمو المستدام، المبني على تعزيز الإنتاجية ورفع مساهمة القطاع الخاص، ورفع كفاءة الإنفاق وتمكين المواطنين من الوظائف المختلفة.

باختصار، كشف لنا المنتدى أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو بناء اقتصاد صلب، وأن جميع الجهات الحكومية تبني شراكات هادفة وتعمل بجد للمحافظة على مقدرات الوطن وبناء اقتصاد قوي متنوع، وهو ما أكده وزير المالية الأستاذ محمد الجدعان خلال كلمته في المنتدى بقوله: «إن هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية وهيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية تعملان بالتوازي لتحقيق وتمكين المحتوى المحلي، ودعمه لمشاركة القطاع الخاص في تنمية الاقتصاد».

Barjasbh@