أعمال

من أجل أمن غذائي مستدام

بينما يمر العالم في الوقت الراهن بمجموعة من المتغيرات التي سلطت الضوء بشكل جدي نحو تحديات تبدأ بالأمن الغذائي ولا تنتهي بتغيرات المناخ، بات من الواضح أن حلول مشكلات بهذا الحجم تتطلب عملاً جماعياً من المؤسسات والحكومات على إيجاد حلول غير تقليدية على المدى القصير والطويل، وبالتالي تحييد حالة القلق لدى المجتمعات العالمية بشأن قدرة الموارد الطبيعية وسلاسل الإمداد على تلبية الاحتياجات المتواصلة لعدد متزايد من السكان، حتى في وضع عالمي مستقر، فضلاً عن حالة الأزمات.

هذه التحديات جعلت من الضروري اتخاذ خطوات فعلية على مستويين متكاملين هما الغذاء والبيئة، وهو ما يمكننا الإشارة فيه إلى تجربة عالمية تمثلت في شركة (سابك) والتي قامت بعمل ملهم في هذا الصدد، فقد تبنت الشركة منذ سنوات نهجاً مستداماً في مجال صناعة الأسمدة، تمثل بابتكار مغذيات زراعية ذات سمات مميزة بإمكانها زيادة حجم المحاصيل مع رفع كفاءة الإنتاج الزراعي والحفاظ على الموارد المائية، كما عملت الشركة على دعم مجتمع الأسمدة العالمي وتبادل الخبرات لمواجهة تحديات قطاع الزراعة وتمكين المزارعين من امتلاك المزيد من القدرة على الوفاء بمتطلبات الأمن الغذائي حول العالم.

تأكيداً لجدية هذا التوجه، أعلنت (سابك) عن إطلاق (شركة سابك للمغذيات الزراعية) في العام 2020م، لتكون كياناً له تميزه الرائد في صناعة الأسمدة المستخدمة في تحسين الإنتاج الزراعي من خلال شبكة واسعة من العلاقات العالمية ونخبة من الخبراء والباحثين المتخصصين في المجال، وتلعب الشركة الجديدة دوراً مهماً في تنسيق الجهود مع مختلف المنصات والاتحادات التعاونية لمواجهة تحديات صناعة الأسمدة، فضلاً عن تطوير الأسمدة الصديقة للبيئة، بطرق وأساليب متعددة، وضمان وصولها للمزارعين حول العالم، بما يسهل مهمتهم في تلبية احتياجات السوق من المحاصيل وإيصالها إلى أكبر نطاق ممكن.

وإذا كانت مستجدات العصر قد جاءت بالتحديات، فهي لم تكن خالية كذلك من التطور المعرفي والتقني الذي يمكنه أن يصنع الحلول، وقد كان هذا المفهوم حاضراً لدى (سابك) التي بدأت في التعاون مع شركات عالمية على الاستفادة من تقنيات زراعية نوعية وابتكارات مستدامة حصل بعضها على براءات اختراع دولية، وذلك للاستفادة منها في تحسين عمليات الإنتاج، وهو ما يعد انتقالاً نحو الجيل التالي من الأسمدة، في ظل التطور الذي شهدته كذلك قطاعات كالتشغيل والتصنيع والبحث العلمي والتخطيط والمبيعات.

رحلة الأمن الغذائي تلك لم تكن لتنفصل عن واجب تعزيز الاستدامة، فالسماد لم يكن الصديق الوحيد للبيئة في تجربة (سابك) بل كانت معه مجموعة من الأولويات التي تبنتها الشركة منذ تأسيسها في البدء كفكرة مبتكرة لحماية البيئة، فأعلنت في العام 2021م عن استراتيجية لتحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2050 مستفيدة في ذلك من منظومة إنشائية وتقنية يأتي في مقدمتها المصنع الذي تمتلكه الشركة في الجبيل والذي يعد أكبر منشأة لجمع وتنقية الكربون، بالإضافة إلى إطلاق (سابك) لمجموعة من المبادرات ذات العلاقة بتحقيق مفهوم الاقتصاد الدائري وبالممارسات البيئية لمواجهة تداعيات تغير المناخ.

إنها عملية متكاملة تتم بشكل يومي، ففي مصنع 'المتحدة' وهي إحدى الشركات التابعة لـ (سابك)، يتم يومياً ضغط وتنقية حوالي 1500 طن من ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى مواد أولية تدخل في العمليات التصنيعية التي تشمل صناعة أسمدة اليوريا عالية الجودة والكفاءة، فضلاً عن استخدامها في تصنيع عدد من المواد الغذائية والمشروبات، وهو ما يعني عملياً أن عملية الحد من الانبعاثات أسهمت في الوقت ذاته في دعم القطاع الزراعي والصناعي لتعزيز الأمن الغذائي.

مع الحاجة الملحة لرفع مستويات الإنتاج الغذائي العالمي لتلبية متطلبات نمو السكان الحالية والمستقبلية، وجّه علماء (سابك) كل جهودهم صوب هدف محدد هو خدمة المجال الزراعي بابتكار مركبات وحلول جديدة للأسمدة بقدرات أكبر من أي وقت مضى، أو ما عرف بالجيل التالي من الأسمدة، والتي كان منها أول سماد يوريا مغلف بالبوليمرات الصديقة للبيئة و القابلة للتحلل في التربة ولتغذية النبات بشكل متزامن مع نموه، وكذلك الأسمدة المركبة النيتروجينية (IBDU)،(MU) التي تقوم بإمداد النبات بالعناصر الأساسية في مختلف الظروف البيئية، وهو ما يساعد على استمرارية إنتاج المحاصيل.

لم يكن هذا كل ما أنتجته عقول (سابك) فقد ابتكرت كذلك أسمدة ذوابة مؤلفة من ثلاث عناصر هي النيتروجين والبوتاسيوم والفوسفور والتي أثبت استخدامها قدرتها على إنتاج محاصيل عالية الجودة بتكلفة أقل، وهو يساعد قطاعاً أوسع من المزارعين على رفع مستويات إنتاجهم، بالإضافة إلى المغذيات الغنية بعناصر كاليوريا والزنك والأمونيا وحمض الهيوميك، والتي استطاعت تحسين الخواص الحيوية والكيميائية للتربة، والتكيف مع أنماط متنوعة من ظروف الزراعة وتقنياتها التقليدية والحديثة.

الجانب الابتكاري والعلمي وإنتاج الأسمدة المتخصصة ظل جانباً تقوم (سابك) بتعزيز دوره وفق منظومة شاملة تتضمن كذلك العمل الوثيق مع وزارة البيئة والمياه والزراعة لرفع مستوى المزارعين وتثقيفهم من خلال قوافل إرشادية تساعدهم على زيادة إنتاجهم وتحسين جودته، وتمكنهم من معرفة الآفات الزراعية وطرق الوقاية منها، أو معالجتها.

ولأن تحدياً عالمياً بحجم الأمن الغذائي يتطلب عملاً ليس باليسير، فإن ما تفعله (سابك) يمكن أن يكون مصدراً لاستلهام مزيد من الجهود في إطار تحقيق التنمية الزراعية المستدامة ودعمها بالحلول الصديقة للبيئة بما تمثله من كفاءة وجودة وترشيد، وحيث يمكن للتفاصيل الصغيرة أن ترسم المسارات الكلية، خصوصا حين يتعلق الأمر برفع الإنتاج وتحسين المحاصيل مع الحفاظ على الموارد المائية والطبيعية.

معادلات بهذه الدقة تتطلب تراكماً بحثياً وتطبيقياً يستفيد من التجربة ويوظف التقدم في خلق واقع جديد عبر إحداث تغييرات جذرية في أنماط الزراعة والصناعة، وهذا ما يحتاجه العالم، من أجل بيئة سليمة، وأمن غذائي مستدام.