الرأي

كنا عالما مختلفا

عبدالحليم البراك
كنا عالما مختلفا بجمالية مختلفة، لا شيء يشبه شيئا آخر، حتى كانت أعيننا تتسع دهشة عندما نرى أناسا آخرين يختلفون عنا، كنا نرى سمات الآخر فنعجب بهم لأنهم صورة لتنوع الإنسان، وثقافة الإنسان، والإنسان المختلف، كانت صورة المغربي العربي تختلف عن صورة المشرقي فكان لدينا شغف أن نعرف ونتعرف، عن حياتهم كيف يعيشون، ونحكي لهم عن حياتنا كيف نعيش، بل كانت الدولة الجديدة علينا؛ جديدة علينا بمعنى الكلمة، جديدة في ثقافتها، جديدة في حياتها وروحها حتى أشياؤها المادية؛ ملابسها وشوارعها وبيوتها وأنماط حياتها.أما الآن فقد تشابهت الحياة، وصار العالم بيتا صغيرا، غرفه ونوافذه شفافة مفتوحة على الآخر، لا شيء مخفي، ولا دهشة للجديد، لأن الجديد لم يعد جديدا!

كانت الأغاني المغربية لها نكهة خاصة، فتشتهر مفرداتهم الجديدة علينا، فتبدو عذبة لحداثاتها، حتى كانت أغنية «وحلو الباب الشرقي» أيقونة لمعرفتنا بالثقافة المغربية، وكانت سمة تونس الخضراء، يعني أنها فعلا خضراء!

أما إذا ردد مصري أغنية محمد عبده «أبعاد كنتو ولا قريبين» -من كلمات الرائع الراحل فائق عبدالجليل، الأغنية الخليجية المغرقة في اللهجة المحلية- نال الأمر استغرابنا، وليس غريبا إذ نالت هذه الأغنية بالذات وقت صدورها شهرة في مصر استثنائية، فكيف لمصري في أزقة القاهرة أن يعرف «لمراد أنكو سالمين».

أما الآن، فإن الأمر اختلف كثيرا، فلا أغنية مميزة لبلد، فالمغرب يردد شيلات الخليج، والأردن يرقص على نفس الشيلات، والخليج نفسه يكررها، فصار العالم العربي قرية صغيرة في أغانيه وطارت المحلية المميزة لكل منطقة وحل محلها أي أغنية مشهورة فإنها تكتسح من المحيط للخليج! ولن ننسى «دي دي دي» للشاب خالد.

كانت الأسواق هي الأخرى نمطا مختلفا، ففي الرياض كان شارع الثميري أيقونة الرياض، وسوق الغريللي أو المباركية أيقونة الكويت المدينة، والحميدية سوق الشام، والسيدة زينب والحسين في القاهرة، أما الآن فإن المولات هي سيدة الموقف، فتدخل المول في القاهرة يشبه المول في تونس ويشبه المول في عمان ويشبه المول في البحرين، نفس السيراميك ونفس الماركات ونفس المطاعم والماركات العالمية حتى تنسى أنك في بلد آخر وتظن أنك في بلدك لم يتغير شيء؛ وبسبب العالمية، وهوس الناس في التشبه والتنفير والتنافر من التميز، ولم يحتفظ الناس بالتميز إلا من أجل الفلكلور فقط!

حتى الملابس كانت تختلف، فالأردني كان مميزا ببدلته الأنيقة مع شماغ النشاما، والكويتي ذو ملابس فضفاضة يختلف عن السعودي والإماراتي الذين لا يشبهون البحريني والعماني وتكاد تميز بينهم من أول وهلة، أما الجيل الجديد، فإن الملابس واحدة والماركات واحدة ففي الأردن والكويت والسعودية والبحرين يلبس الشباب ماركات: بولو وكالفين كلاين ولاكوست، وتنتظر منهم الكلام فقط حتى تميز من أي بلد هو!

حتى فعاليات الاحتفالات كانت متميزة في بلد عن آخر، ففي برشلونة الكتالونية لها طقوسها الاحتفالية التي تختلف عن كرنفالات ريو دي جانيرو في البرازيل، أما الآن، فتكاد تكون الفعاليات واحدة في كل بلدان العالم لترحل الخصوصية وتحل محلها العالمية، وتجد من يطالب: «نريد فعالية كما هي لدى البلد الآخر»، في نسخة مشوهة من ثقافة الآخر!

أخيرا، تحول العالم لقرية صغيرة ولم يحتفظ بخصوصيته، صار الناس يرددون أغاني عالمية ولا يرغبون بالمحلية، صار المشتهر في التواصل الاجتماعي هو السائد وليس روح المحلية اللطيفة المميزة، صار هناك من الناس من يطلب بيتا على النمط الأمريكي في أجوائنا الحارة، أو بلكونات غير مستعملة مثل بلكونات لبنان، ولم يعد لشيء طعم إن كان ما ستراه في أي بلد هو تكرارا لبلد آخر!

Halemalbaarrak@