الرأي

بالثقافة نكسب ونخسر

حسن علي القحطاني
في أحد المقاهي وعلى طاولة مجاورة لي، يحدث عناق حار بين أصدقاء ويرتفع صوت أحدهم وعينه ترمقني فيقول شامتا من كتيب صغير وفنجان قهوة كان أمامي: (تصدقون لي عشرين سنة أشرب قهوة ولم أصبح مثقفا)، فيرد بائع القهوة: (حاول أن تحتسيها)، تعالت الضحكات في أرجاء المكان.

وانتهى الموقف وأنا أدون بعض أفكار هذا المقال، وأتساءل هل يحتاج حديث عن الثقافة كمصطلح أم عن أنواعها، من عامة لمهنية، من أساسية لمجتمعية، ومن ثقافة دينية لوطنية، ولأن الثقافة ليس لها عضلات تظهر للناس، كما هو الحال للملاكم أو المصارع فهي لا يبرز شكلها ولا تفوح رائحتها إلا إذا جرحت كالليمونة أو التفاحة، ويظل حبر الكتب والمراجع أو حبر الصحف وحتى القصاصات التي تعد منها نشرات الأخبار هو الملقح للوعي الذي تتسلح به ثقافة الأفراد في أي مجتمع لكل ما يستجد.

لذا نجد الحبر حائل (متغير) اللون أسود أو أبيض أو عديم اللون كالماء أحيانا، لكن يبقى طعمه مرا، يشهد ويميز ويفضح الحفيف من الفحيح، ولولا هذا الحبر المر ما كان التاريخ هو التاريخ.

ومن المؤلم أني قرأت عبارة لمثقف من أمريكا اللاتينية يقول: (إننا نكتب لنكسب محبة الناس، ويبقى القليل منهم نكسب كراهيتهم بالكتابة).

وأقول يقينا لا خيار لنا في طعم الحبر الذي نكتب به، فحين يكون بطعم الكوسا مثلا لن يصل إلى المرسل إليه، حتى لو هرول به سعاة البريد في القارات الخمس.

يدعي بعض الناس ممن يزهون بمالهم أو أوشحة علاقاتهم أن لحمهم مر، لكن هناك مرارة حبر أحلى من الشهد، وأمر من العلقم إن لزم الأمر، والنتائج مؤجلة.

ثلاث عبارات تعزيني فالأولى قالها ألبير كامي عندما فاز بجائزة نوبل، ولم ينس أن يعاتب مانحيه الجائزة على شقاء طفولته، يقول: (إن المثقف يحمل في صدره شمسا لا تقهر ولا تغيب إذا عم الصقيع هذا الكوكب)، والثانية قالها إرنست هيمنجواي عن الصياد العجوز في رواية العجوز والبحر، هي: (إن الإنسان يمكن تدميره لكنه لا يهزم إذا قرر الانتصار)، أما الثالثة فقالها حكيم صيني في لحظات احتضاره اسمه لوتشي: (الأصابع المبدعة النحيلة قد تأسر الكون كله في مربع صغير من الورق).

أخيرا خرجت من هذا المكان وأنا لم أشرب قهوته ولم أحتسيها، لا بارك الله فيه ولا فيها.

hq22222@