شمال عدن
السبت / 17 / ذو القعدة / 1437 هـ - 19:45 - السبت 20 أغسطس 2016 19:45
ما يقع شمال عدن هو حلب، والمساحة الفاصلة بين بيت الطفل عمران وقاعدة همدان هو هذا المثلث مسرح صراع تجاوز كل الممكن القبول به سياسيا. وأهم نتائجها أنها أسقطت فرضيتي العالم العربي والإسلامي سياسيا، مما يستوجب إعادة قراءة المشهد بمعطياته التي تلزمنا بقواعد لعبة تتناسب والواقعية السياسية لا واقعية السياسة العربية. حلب لم تعد مدينة قابلة للتحرير أو الاحتلال، فتطورات الموقف في ضوء المتغيرات الاستراتيجية الأخيرة هو الثابت الآن لا المتغير.
والأوجب تكتيكيا الآن وبكل الأدوات الممكنة حصر عدد بيوض طيور الوقواق الانتهازية في المعادلة السورية حلبيا أولا وسوريا ثانيا. فطائر الوقواق (الكوكو) مخلوق انتهازي لا يربي فراخه بل يبيض في أعشاش طيور أخرى تقوم هي بتربيتها نيابة عنه. والأغرب أن فرخ الوقواق ما إن يفقس حتى يشرع في إلقاء بيوض الطائر المضيف خارج العش حتى قبل أن تفتح عيناه.
نحن أمام تحول غير مسبوق في التحالفات السياسية وتقاطع مصالح أربع دول هي اليوم الأكثر وضوحا في التعبير عن أطماعها التوسعية ومصالحها على كامل مساحة الشرق الأوسط بعدائية مطلقة تجاه كل ما تمثله هوية عربان الخليج أولا. وقد تطرقت إلى ذلك في مقال سابق نشر هنا تحت عنوان «تاجر البندقية». تلك الفرضية لم تعد فرضية بعد أن باتت واقعا ملموسا من نجران إلى حلب. وكلنا يتذكر تصريح الجنرال محمد جعفري من الحرس الثوري في يناير الماضي عندما أعلن عن وجود ما قوامه 200 ألف موال للحرس الثوري منتشرين في عموم دول المنطقة. وها هو الآن الجنرال محمد علي فلكي من قيادات الحرس الثوري في سوريا يعلن يوم الخميس الماضي عن تأسيس جيش التحرير الشيعي للقتال في عموم ما تسميه إيران بالهلال الشيعي واليمن.
واليوم بتنا نسمع أن أمن إيران من أمن تركيا، وإسرائيل ترفض رحيل الأسد. وقاعدة همدان الإيرانية التي حلت محل قاعدة حميميم السورية لخدمة القاذفات الروسية بفئتيها الاستراتيجية والتكتيكية. أو ماذا عن تصريح رئيس الوزراء التركي الجمعة الماضي «بأن الأسد يمكن أن يكون جزءا من العملية الانتقالية لكنه لا يمكن أن يكون جزءا من مستقبل سوريا».
رسائل كل ما تقدم هي لفرض واقع شرق أوسطي جديد. لذلك علينا اليوم التجاسر على خيباتنا فمن تباين معنا عربيا أو آخرين من حلفائنا في التحالف الإسلامي الذين صدروا مواطنيهم مرتزقة في خدمة عصابات إيران في العراق وسوريا نظير وعود بالنفط والغاز. اليوم هو ليس يوم عتب أو القبول بإصدار بيانات تضامن، فالله الغني عنها وعنهم. وإن كان هناك مجال لحل سياسي في اليمن، فإن على الجميع أن يفهموا أن نافذة ذلك الحل تقفل حالما تتطهر صنعاء من أزلام تحالف الديمقتاتوريات الرباعي.
ومن ثم علينا وفورا إعادة التوازن الديموغرافي خليجيا، وأن لا يكون ذلك اختياريا لأن الخطط متفق عليها مسبقا، ولا ينقصها الآن سوى رفع وتيرة التنفيذ.
ثالثا ونحن الآن عند هذا المنعطف غير المسبوق في تداعياته، هل سنستمر في التعاطي مع الاتحاد الروسي دون تحديد مواقفنا منه بعد أن بلغ غطاؤه السياسي والعسكري إيران، أو ماذا عن قذائفه العنقودية من فئة كارجو Cargo - 9M27K التي قتلت مواطنين سعوديين بعد أن أمد بها تنظيما سياسيا صدر في حقه قرار مجلس الأمن رقم 2216 تحت البند السابع. أما الولايات المتحدة فقد أثبتت أنها حليف بمقدار ما يتوافق مع رؤيتها هي، ولن تقبل بأقل من ذلك، وإن نحن تراخينا في تحديد مساراتنا الاستراتيجية الآن فسوف نخسر ما تبقى لنا من حلفاء حقيقيين.
المشهد القائم ليس ضبابيا بقدر ما أسهمنا نحن بأكثر من شكل في تعطيل التنمية في خدمة مفاهيم لم تقدم الأمن ولا الاستقرار اللذين أوهمنا بهما. فلا أمن قوميا دون ارتكازه على المواطنة لا الرعية. وحيثما كان هاجس التنمية هو الحاضر المتأصل في الوجدان فإن الوطن يتجلى ثقافة وأمنا.
aljunaid.a@makkahnp.com