كي لا تهيم العراق عقودا أخرى
السبت / 8 / محرم / 1444 هـ - 20:09 - السبت 6 أغسطس 2022 20:09
اعتاد الناس على أن الجماعة تشكل تيارا واحدا يمشي باتجاهه الجميع، ولكن دائما ما يوصف أحدهم بالمشي بعكس هذا التيار سواء أكان ذلك بقصد الاعتراف بالتميز أم بالوصمة نظير الخروج المخزي عن الجماعة، أما في الداخل العراقي فقد أصبح الجميع، برغبته المحضة أو بدونها، ينضوي في تيارات تمشي بعدة اتجاهات متفرقة، وبات كل تيار يتهم الآخر بالمؤامرة والخيانة ويجرده من الوطنية ويقدم نفسه على أنه الوحيد صاحب الحق في إطلاق معيار الصلاح والبطلان في شؤون الدين والدولة، ولم يعد هناك تيار جامع يمشي باتجاه الدولة إلا ما يشكله ذلك التيار الجارف لأجساد سلبت أرواحها وقلوب اغتيلت حماستها، فلم تعد تمتلك ذرة يقين بأن تستقر العراق على حال يريحها، حتى صارت تلقي بالهتافات المميتة من قبيل «إيران بره بره.. بغداد تبقى حرة» كحل انتحاري أخير لهذا الواقع المشلول.
وفي كل مرة تقترب أو تبتعد فيها بغداد عن تشكيل حكومي تجد نفسها رهينة للحسم الإقليمي والدولي، لكنها حاولت هذه المرة أن تنفك من هذا المصير بأن وضعت الأطراف العراقية على مائدتها البرلمانية أطروحات سمت نفسها بـ»الوطنية» في محاولة لإخفاء حقيقة توجيهها نحو إقصاء الطرف الآخر ومن يقف خلفه من وراء المائدة البرلمانية، فطرح التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر -المنسحب من العملية السياسية- حكومة «أغلبية وطنية» فيما طرح الإطار التنسيقي الموالي لإيران بزعامة نوري المالكي حكومة «توافق وطنية» وفي كلتا الأطروحتين يستجدي الوطن الفعلي إزاحته من هذا الادعاء الزائف، بعدما رأى نتيجة تحول الدين إلى لعبة تتداولها أفواه السياسيين في العراق لتدفع بها جموع المحتشدين والمحتجين والمقترعين أيضا.
وبعد تعطيل للحكومة دام قرابة عشرة شهور نظير الانسداد السياسي؛ تسارعت التطورات لتلقي بالتيارات العراقية إلى حلبة صراع مفتوحة تنبئ بانكماش أدوار القوى المعتدلة -إن كانت حاضرة في الأصل- مقابل صعود متوهج لقوى العنف والدموية، عقب احتدام الخلافات بين الصدر والمالكي ودعوات أنصارهما إلى النزول للشارع والتظاهر لحماية مؤسسات الدولة من بعضهما بعضا في تبادل للأدوار بين الشرطي وسيارة الإسعاف، وكانت النقطة الحاسمة الدافعة للصراع هي ما نسب للمالكي من تسجيلات مسربة نفاها المالكي وأثبتت صحتها عدة جهات خارجية مستقلة، كشف فيها عن مخططات المواجهات المسلحة والتهديد بالسلم الأهلي بحجة الحفاظ على مصالح الطائفة الشيعية، كما تعرض لعدد من القيادات -منهم الصدر- بالتخوين والاتهام بالتبعية وبالجبن.
لذا حاول مقتدى الصدر توسيع قاعدته الشعبية بدعوته أخيرا العشائر والقوات الأمنية وميليشيات «الحشد الشعبي» أيضا لمناصرة حشوده، وكان من ضمن أهم ما كتبه في هذا الجانب هو أن التظاهرات «فرصة عظيمة لتغيير جذري للنظام السياسي والدستور والانتخابات التي إن زورت لصالح الدولة العميقة باتت أفضل انتخابات حرة نزيهة، وإن كانت نزيهة وأزاحت الفاسدين، باتت مزورة تنهشها أيادي الفاسدين من جهة والدعاوى الكيدية من جهة أخرى» ليلامس بهذه العبارات واقعا حقيقيا للصراع العراقي الذي لا يمكن التعرف على ملامح لنهايته، لكن المؤكد أن نهاية هذا الصراع ستكتب بعد خروج أحد الأطراف من المشهد السياسي برمته؛ لذلك ستكون أدواته طاحنة وتبحث عن تحقيق أقسى درجات القهر وأشد أنواع الإكراه بصرف النظر عن كلفة هذا الصراع على الدولة التي ستتحملها بمفردها كما جرت العادة.
أما تلكم الحشود المالئة لكل التيارات المتفرقة التي تهتف باسم رمزيات ورموز دينية؛ لتستدعي إيمانا يبرر لها اندفاعها إلى رغبة تحقيق الانتصار لشخص القائد السياسي، بينما هو يمدد جسده على أريكته بجانب سلاحه الذي يتوسد عمامته، فيتوجب عليها إفراغ تلك التيارات من خلال السؤال عن أولئك القادة، هل هم يرثون حقا في سلوكهم وخطابهم نفس القيم والأخلاقيات التي نادى بها ذلك الرمز الديني؟ إن كان كذلك فمن الطرف المتآمر ومن الطرف الخائن إذن؟ ثم السؤال بجدية عن السبيل السالك لإيجاد تيار الجماعة الذي يسير فعلا باتجاه المصلحة الوطنية.
وريثما تتم الإجابة عن هذه الأسئلة، يلزم العراق تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة تكون بمعزل عن تأثير أي من التيارات، ثم تقوم بحل جميع الأحزاب السياسية التي قامت على أسس مشوهة، وتعيد صياغة قواعد اللعبة السياسية والأمنية كاملة لتصبح «أكثر جدية» وفق منظور وطني لا يتجاوز حدود العراق، أما الحل الهزلي، الذي هو على قدر هذا الصراع، فهو أن تضع الحشود حدا خرسانيا في مخيلة صانعي سياسات العراق ومحركي حشودها، حدا يحتجزهم في إطار الدولة قبل أن يقبلوا على أي قرار أو خطاب سياسي حتى لا يدور الصراع أكثر، وحتى لا تهيم العراق على وجهها عقودا أخرى فينادونها ثم يرجع إليهم من ندائهم نحيب، تماما مثلما كانت نتيجة نداء بدر شاكر السياب.
9oba_91@
وفي كل مرة تقترب أو تبتعد فيها بغداد عن تشكيل حكومي تجد نفسها رهينة للحسم الإقليمي والدولي، لكنها حاولت هذه المرة أن تنفك من هذا المصير بأن وضعت الأطراف العراقية على مائدتها البرلمانية أطروحات سمت نفسها بـ»الوطنية» في محاولة لإخفاء حقيقة توجيهها نحو إقصاء الطرف الآخر ومن يقف خلفه من وراء المائدة البرلمانية، فطرح التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر -المنسحب من العملية السياسية- حكومة «أغلبية وطنية» فيما طرح الإطار التنسيقي الموالي لإيران بزعامة نوري المالكي حكومة «توافق وطنية» وفي كلتا الأطروحتين يستجدي الوطن الفعلي إزاحته من هذا الادعاء الزائف، بعدما رأى نتيجة تحول الدين إلى لعبة تتداولها أفواه السياسيين في العراق لتدفع بها جموع المحتشدين والمحتجين والمقترعين أيضا.
وبعد تعطيل للحكومة دام قرابة عشرة شهور نظير الانسداد السياسي؛ تسارعت التطورات لتلقي بالتيارات العراقية إلى حلبة صراع مفتوحة تنبئ بانكماش أدوار القوى المعتدلة -إن كانت حاضرة في الأصل- مقابل صعود متوهج لقوى العنف والدموية، عقب احتدام الخلافات بين الصدر والمالكي ودعوات أنصارهما إلى النزول للشارع والتظاهر لحماية مؤسسات الدولة من بعضهما بعضا في تبادل للأدوار بين الشرطي وسيارة الإسعاف، وكانت النقطة الحاسمة الدافعة للصراع هي ما نسب للمالكي من تسجيلات مسربة نفاها المالكي وأثبتت صحتها عدة جهات خارجية مستقلة، كشف فيها عن مخططات المواجهات المسلحة والتهديد بالسلم الأهلي بحجة الحفاظ على مصالح الطائفة الشيعية، كما تعرض لعدد من القيادات -منهم الصدر- بالتخوين والاتهام بالتبعية وبالجبن.
لذا حاول مقتدى الصدر توسيع قاعدته الشعبية بدعوته أخيرا العشائر والقوات الأمنية وميليشيات «الحشد الشعبي» أيضا لمناصرة حشوده، وكان من ضمن أهم ما كتبه في هذا الجانب هو أن التظاهرات «فرصة عظيمة لتغيير جذري للنظام السياسي والدستور والانتخابات التي إن زورت لصالح الدولة العميقة باتت أفضل انتخابات حرة نزيهة، وإن كانت نزيهة وأزاحت الفاسدين، باتت مزورة تنهشها أيادي الفاسدين من جهة والدعاوى الكيدية من جهة أخرى» ليلامس بهذه العبارات واقعا حقيقيا للصراع العراقي الذي لا يمكن التعرف على ملامح لنهايته، لكن المؤكد أن نهاية هذا الصراع ستكتب بعد خروج أحد الأطراف من المشهد السياسي برمته؛ لذلك ستكون أدواته طاحنة وتبحث عن تحقيق أقسى درجات القهر وأشد أنواع الإكراه بصرف النظر عن كلفة هذا الصراع على الدولة التي ستتحملها بمفردها كما جرت العادة.
أما تلكم الحشود المالئة لكل التيارات المتفرقة التي تهتف باسم رمزيات ورموز دينية؛ لتستدعي إيمانا يبرر لها اندفاعها إلى رغبة تحقيق الانتصار لشخص القائد السياسي، بينما هو يمدد جسده على أريكته بجانب سلاحه الذي يتوسد عمامته، فيتوجب عليها إفراغ تلك التيارات من خلال السؤال عن أولئك القادة، هل هم يرثون حقا في سلوكهم وخطابهم نفس القيم والأخلاقيات التي نادى بها ذلك الرمز الديني؟ إن كان كذلك فمن الطرف المتآمر ومن الطرف الخائن إذن؟ ثم السؤال بجدية عن السبيل السالك لإيجاد تيار الجماعة الذي يسير فعلا باتجاه المصلحة الوطنية.
وريثما تتم الإجابة عن هذه الأسئلة، يلزم العراق تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة تكون بمعزل عن تأثير أي من التيارات، ثم تقوم بحل جميع الأحزاب السياسية التي قامت على أسس مشوهة، وتعيد صياغة قواعد اللعبة السياسية والأمنية كاملة لتصبح «أكثر جدية» وفق منظور وطني لا يتجاوز حدود العراق، أما الحل الهزلي، الذي هو على قدر هذا الصراع، فهو أن تضع الحشود حدا خرسانيا في مخيلة صانعي سياسات العراق ومحركي حشودها، حدا يحتجزهم في إطار الدولة قبل أن يقبلوا على أي قرار أو خطاب سياسي حتى لا يدور الصراع أكثر، وحتى لا تهيم العراق على وجهها عقودا أخرى فينادونها ثم يرجع إليهم من ندائهم نحيب، تماما مثلما كانت نتيجة نداء بدر شاكر السياب.
9oba_91@