الرأي

سينما وفشار

رهام فراش
أصبحت زيارتنا للسينما سلوكا ترفيهيا روتينيا يخضع لظاهرة الترند أو اتباع الجماهير، يعني بالعامية «مع القوم يا شقراء».

اليوم نشهد انتشارا كبيرا لصالات العرض في المملكة، وهي ظاهرة صحية وجميلة، بعد طول انتظار لها يبدو أننا نحاول تعويض سنوات التقشف والحرمان التي عشناها بدون سينما؟ فكلما ظهر إعلان لفيلم جديد هرولنا لها وحضرنا كل عرض عمال على بطال!

وهنا دعوة للتساؤل هل يا ترى أضفنا هذا السلوك لقائمة سلوكنا الاستهلاكي الذي لا يرحم الأخضر ولا اليابس ويلتهم كل ما تقع عليه عينه؟ وخاصة مع انتشار ظاهرة الدفع عبر الجوال صار الشراء وكأنك تشحن بطاقة في مدينة الملاهي وتتجول لتلعب وكأن العملة هذه منوبولي وليست نقودا حقيقية يتعب الإنسان عليها.

لماذا نحضر كل فيلم تنتشر إعلاناته وتشتهر أغنيته ويدندن الناس عليها قبل عرضه حتى؟ هل لأن الكل ذاهب وسيصبح حديث المجالس ومن غير اللائق أن نظهر وكأننا في كوكب منعزل عن الناس؟ أم لأن فكرة الفيلم وأبطاله والممثلين فيه لهم تاريخ وسمعة ومشهود لهم بالاحتراف وتقديم ما يليق بعقل وذوق المشاهد؟ هل فكرنا أن نعمل بحثا صغيرا عن الفيلم قبل قرار شراء التذكرة؟ كم مرة حضرنا فيلما واكتشفنا أنه مجرد وقت مهدر وتسلية معلبة لا تحتاج لجهد وتفكير.

أم أنه كل ما في الأمر مجرد هروب من روتين يومي ممل أو تغيير جو وكسر لنظام الحياة الرتيب الخالي من التنظيم والتخطيط والجودة والذي في الغالب لا يختلف عن اليوم الذي قبله سوى في التاريخ؟

حسنا دعوني أعترف بأني من عشاق السينما وأني حلمت بدراسة الإخراج وأني أفكر جديا في احتراف الكتابة السينمائية امتدادا لشغفي بالإعلام والمحتوى والطرح الهادف بقوالب عصرية ممتعة، لكنني أقع في نفس الفخ وأمارس نفس هذا السلوك الاستهلاكي في حضور الأفلام كلما أتيحت لي الفرصة، لذلك أحببت أن أقف مع نفسي وقفة تأمل وأشارككم إياها، وفي محاولة لتقنين المصروفات واحترام الذوق الخاص ورفع جودة الحياة والتنظيم ينبغي أن نحاول القيام بالتالي:

أولا: تحديد ميزانية شهرية للترفيه وخاصة للسينما لأنها مكلفة والغريب أن الفشار أغلى من سعر التذكرة.

ثانيا: مشاهدة الإعلان الترويجي للفيلم وقراءة الأخبار المنشورة عنه ومعرفة الممثلين والقصة وبعدها الحكم ما إذا كان يستحق الحضور أم لا.

ثالثا: بعد مشاهدة الفيلم الوقوف للحظة لنقد الفيلم ذاتيا وفهم أبعاده ورسائله وظروف كتابته وتصويره وإخراجه حتى تتحقق معادلة المتعة بوعي وهدف، حتى وإن كانت الحجة الضحك والكوميديا البحتة، يجب أن نتمرن على أن ندرك ما الذي يضحكنا وكيف ولماذا لنعيش بفاعلية ونرتقي بذائقتنا الفنية والحياتية في كل شيء؛ لأن أغلب اللقطات الكوميدية مؤخرا أصبحت عن المثلية والشذوذ.. صحيح أنها مضحكة في وقتها لكنها قد تكون على المدى البعيد خطيرة وتبرمجنا على أن الوضع مضحك وعادي ومقبول.

جميعنا نحب الضحك وهو علاج فعال بلا شك لمواجهة صعوبات الحياة والتوتر، والكوميديا تشحننا بطاقة إيجابية نحتاجها فعلا، وقبل أن أنهي كلامي أحببت التنويه على ظاهرة حضور أبطال الأفلام لافتتاح العرض الأول والتصوير مع الجمهور، وهي لفتة جميلة ولكنها تؤكد على أننا أصبحنا قوة استهلاكية شرائية مخيفة لدرجة أن شركات الإنتاج تركز في التسويق على جذب الانتباه وحصد أكبر قدر ممكن من الحضور على شباك التذاكر.

أخيرا يحتاج الأمر فقط لتقنين أوقاتنا، وعقولنا غالية علينا وتستحق منا وقفة تأمل، نعم للترفيه لا للاستهلاك الأعمى وصعود الموجة فقط.