الزفاف المختصر علكة المجالس!
الثلاثاء / 27 / ذو الحجة / 1443 هـ - 21:46 - الثلاثاء 26 يوليو 2022 21:46
نحن في حالة استنفار بحثا عن ورقة (إكة السبيت)؛ لنبدأ التحدي، ضيعنا ساعة كاملة للبحث عنها، وأمين القطة مساعد رفض أن يشتري ورقة لعب جديدة، وفتح محضرا لمعرفة المتسبب؛ ليكلفه بشرائها، فالتضخم قد ألقى بظلاله على استراحتنا والاستراحات المجاورة، وفي خضم التحقيق رن هاتفي، فكان الشاب السبعيني مصلح، يسألني: هل بقي شيء من العشاء؟ فسألته متعجبا: ألست معزوما في مناسبة زفاف الليلة؟! فضحك وقال: (دخيلك) ابحث في المطبخ إن بقي شيء، أنا آت في الطريق!
لم نجد الورقة، فقررنا أن نشاهد فيلما عبر يوتيوب، فوقعنا على الفيلم السعودي «حد الطار»، وبعد نصف ساعة دخل مصلح، وصوّت من عند الباب: «الحقوني يا رجال» ودخل منحنيا إلى الأمام، ويداه على بطنه، فوقف بعض الأصدقاء، متسائلين: (خير، وش فيك؟) قال بصوت فنان العرب: «ضناني الجوع»، فضحكوا وجلسوا، وهرولت إلى المطبخ، وأخذت القدر بما فيه وكأس ماء، وجئت بها إليه، فمد ساقيه ووضع القدر بينهما، وطفق يأكل بنهم عجيب، ويكده كدا!
بعد أن أسكت جوعه، سأله أبو عميش: (ما عشوكم في الزواج؟)، فقال مصلح: أنا مدعو إلى ثلاث مناسبات، حضرت الأولى وأعطيت واجبي، وقلت في نفسي سأدرك العشاء في الثانية، وسألت أحد المقربين هناك فأجاب أن العشاء سيتأخر إلى الساعة 11، فقلت في نفسي سأتعشى في الثالثة، وحين دخلت وجدت القوم خارجين من قاعة الطعام، فأعطيت واجبي واعتذرت عن تأخري وخرجت، مررت بمطعم يديّن علي أحيانا، لكني (الشقي يظل شقيا) لم أجد العامل الذي أعرفه هناك، فلم يبق لي أمل إلا في بقايا عشائكم.
ضج المجلس بالضحك على موقف مصلح، فجلس أبو عميش قائلا: يا أخي، مجتمعنا مهووس بمناسبات الزفاف المهرجانية، ظننا أن أيام كورونا ستجذب المجتمع إلى مناسبات الزواج المصغرة، لكن الناس عادوا إلى المهرجانية متعطشين، فقال الأستاذ إياد: هل تصدقون أن هذه الليلة ستكون الوحيدة التي سأجلس معكم فيها خلال هذا الصيف؟ كل الأسابيع المقبلة دعوات في مدن مختلفة.
فقال مصلح ضاحكا: (فكة) وأردف: صدقا، لو بيدي لأصدرت قرارا يمنع إقامة الزواج لأكثر من خمسين شخصا، ثم أضاء (فلاش) الجوال، انظروا إلى خدي أشعر أنه تحلل، وظهري تيبس من كثرة السلام في ثلاث قاعات، أربع ساعات وأنا أقوم وأقعد، ولم أتلذذ بكلمة واحدة مع أحد، بالكاد أتحدث مع أحدهم فيأتي من يقطعنا، فأفتح موضوعا مع آخر، فيأتي وفد جديد ونقوم، كأننا في قاعة رياضية، أو جزاء عسكري!
فابتسم مساعد، ليت المرهق في الأمر السلام والقيام والقعود، تكاليف الزواج يا سادة هي المرهقة، في ظل الغلاء، والتضخم، لا أتخيل كيف يقيم الإنسان مناسبة بهذه الحجم دون أن يدخل في أنفاق الديون المظلمة، أسعار القاعات، ومستلزمات الضيافة الأولية، ومأدبة العشاء، وأمسية الشعر، كلها (تكسر الظهر، وربعنا ما لهم حل) لم يوقفهم تضخم ولم يردعهم غلاء، ولا أعلم كيف يفكرون، لم يعجبهم (المختصر/ ولا الجماعي) هل تظنون أن غياب الترفيه لعقود هو السبب؟ أم تظنون أن غلاء تذاكره الآن تزيدنا تمسكا؟
قال إياد، لا أظنها هذه ولا تلك، أظن الأمر متعلقا بالماديات و(العطاء)، هذا سبب يمنع انتشار ثقافة الزواجات المصغرة، بعضهم يعوّل على ما يأتيه من المدعوين، بصدق أرهقتنا المناسبات المهرجانية، وليتها في مدينتنا فقط، بل تأتينا دعوات من مدن مختلفة، ولا نملك إلا الرضوخ لهذا العرف الاجتماعي المرهق. فقاطعه مصلح:
«جميعكم شكاؤون بكاؤون في المجالس فقط، لكن أحدكم حين تكون المناسبة لابنه أو لأخيه أو لقريبه لا يجرؤ على محاولة ثنيه عن المهرجانية وتوجيهه إلى المناسبات الرشيقة المصغرة، نحن فقط نتحدث، وحين تكون المناسبة لنا نفعل كما يفعل الآخرون، وهكذا يظل هذا العرف متماسكا لا يهتز، لأننا منساقون كالقطيع تحت سلطانه، رأينا ما فعله ابن عمك يا إياد قبل أسبوع، وما فعله أبو عميش في زواج ابنه الصيف الماضي، فكفاكم تنظيرا»، ثم أدخل يده في جيبه وألقى ورقة (إكة السبيت)، معتذرا أنه نسيها بعد أن أخفاها البارحة، فالتقطها مساعد مبتهجا وقال: «وزع وزع»، قلنا: سنكمل الفيلم!
ahmad_helali@
لم نجد الورقة، فقررنا أن نشاهد فيلما عبر يوتيوب، فوقعنا على الفيلم السعودي «حد الطار»، وبعد نصف ساعة دخل مصلح، وصوّت من عند الباب: «الحقوني يا رجال» ودخل منحنيا إلى الأمام، ويداه على بطنه، فوقف بعض الأصدقاء، متسائلين: (خير، وش فيك؟) قال بصوت فنان العرب: «ضناني الجوع»، فضحكوا وجلسوا، وهرولت إلى المطبخ، وأخذت القدر بما فيه وكأس ماء، وجئت بها إليه، فمد ساقيه ووضع القدر بينهما، وطفق يأكل بنهم عجيب، ويكده كدا!
بعد أن أسكت جوعه، سأله أبو عميش: (ما عشوكم في الزواج؟)، فقال مصلح: أنا مدعو إلى ثلاث مناسبات، حضرت الأولى وأعطيت واجبي، وقلت في نفسي سأدرك العشاء في الثانية، وسألت أحد المقربين هناك فأجاب أن العشاء سيتأخر إلى الساعة 11، فقلت في نفسي سأتعشى في الثالثة، وحين دخلت وجدت القوم خارجين من قاعة الطعام، فأعطيت واجبي واعتذرت عن تأخري وخرجت، مررت بمطعم يديّن علي أحيانا، لكني (الشقي يظل شقيا) لم أجد العامل الذي أعرفه هناك، فلم يبق لي أمل إلا في بقايا عشائكم.
ضج المجلس بالضحك على موقف مصلح، فجلس أبو عميش قائلا: يا أخي، مجتمعنا مهووس بمناسبات الزفاف المهرجانية، ظننا أن أيام كورونا ستجذب المجتمع إلى مناسبات الزواج المصغرة، لكن الناس عادوا إلى المهرجانية متعطشين، فقال الأستاذ إياد: هل تصدقون أن هذه الليلة ستكون الوحيدة التي سأجلس معكم فيها خلال هذا الصيف؟ كل الأسابيع المقبلة دعوات في مدن مختلفة.
فقال مصلح ضاحكا: (فكة) وأردف: صدقا، لو بيدي لأصدرت قرارا يمنع إقامة الزواج لأكثر من خمسين شخصا، ثم أضاء (فلاش) الجوال، انظروا إلى خدي أشعر أنه تحلل، وظهري تيبس من كثرة السلام في ثلاث قاعات، أربع ساعات وأنا أقوم وأقعد، ولم أتلذذ بكلمة واحدة مع أحد، بالكاد أتحدث مع أحدهم فيأتي من يقطعنا، فأفتح موضوعا مع آخر، فيأتي وفد جديد ونقوم، كأننا في قاعة رياضية، أو جزاء عسكري!
فابتسم مساعد، ليت المرهق في الأمر السلام والقيام والقعود، تكاليف الزواج يا سادة هي المرهقة، في ظل الغلاء، والتضخم، لا أتخيل كيف يقيم الإنسان مناسبة بهذه الحجم دون أن يدخل في أنفاق الديون المظلمة، أسعار القاعات، ومستلزمات الضيافة الأولية، ومأدبة العشاء، وأمسية الشعر، كلها (تكسر الظهر، وربعنا ما لهم حل) لم يوقفهم تضخم ولم يردعهم غلاء، ولا أعلم كيف يفكرون، لم يعجبهم (المختصر/ ولا الجماعي) هل تظنون أن غياب الترفيه لعقود هو السبب؟ أم تظنون أن غلاء تذاكره الآن تزيدنا تمسكا؟
قال إياد، لا أظنها هذه ولا تلك، أظن الأمر متعلقا بالماديات و(العطاء)، هذا سبب يمنع انتشار ثقافة الزواجات المصغرة، بعضهم يعوّل على ما يأتيه من المدعوين، بصدق أرهقتنا المناسبات المهرجانية، وليتها في مدينتنا فقط، بل تأتينا دعوات من مدن مختلفة، ولا نملك إلا الرضوخ لهذا العرف الاجتماعي المرهق. فقاطعه مصلح:
«جميعكم شكاؤون بكاؤون في المجالس فقط، لكن أحدكم حين تكون المناسبة لابنه أو لأخيه أو لقريبه لا يجرؤ على محاولة ثنيه عن المهرجانية وتوجيهه إلى المناسبات الرشيقة المصغرة، نحن فقط نتحدث، وحين تكون المناسبة لنا نفعل كما يفعل الآخرون، وهكذا يظل هذا العرف متماسكا لا يهتز، لأننا منساقون كالقطيع تحت سلطانه، رأينا ما فعله ابن عمك يا إياد قبل أسبوع، وما فعله أبو عميش في زواج ابنه الصيف الماضي، فكفاكم تنظيرا»، ثم أدخل يده في جيبه وألقى ورقة (إكة السبيت)، معتذرا أنه نسيها بعد أن أخفاها البارحة، فالتقطها مساعد مبتهجا وقال: «وزع وزع»، قلنا: سنكمل الفيلم!
ahmad_helali@