سوق عكاظ لم يهدمها الإسلام!
الجمعة / 16 / ذو القعدة / 1437 هـ - 23:30 - الجمعة 19 أغسطس 2016 23:30
لا يزال اعتبار سوق عكاظ شعيرة من شعائر العرب الدينية التي سبقت الإسلام وجاء لهدمها، ومحوها ساريا عند البعض، خاصة أولئك الذين يتلقون الآراء دون نظر، أو المتعصبين لرؤاهم، المستميتين لصرف الناس عن تراث أمتهم، وبترهم عن عروبتهم دون دليل ثابت ولا حجة، فقولهم الدائم في كل موسم أن عكاظ «إحياء لشعيرة جاهلية» باطل ما أنزل الله به من سلطان، ولا أدري أي سند تاريخي عقلي أو نقلي جعلهم يرون هذا الرأي، فلهم قياسات غريبة في (نذر بوانة) وأسئلة النبي للناذر، واعتبارهم عكاظ مكانا لأعياد الجاهلية، ولم يقل أحد من المؤرخين إنه عيد جاهلي!!
جميع المصادر تتفق على أن عكاظ سوق من أسواق العرب، يجتمعون فيها ويتنافرون ويتفاخرون على بعضهم، ويبيعون ويشترون قبل وصولهم إلى مكة للحج، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم استثمر اجتماع العرب في عكاظ فذهب إليها داعيا إلى الإسلام، لكن المصادر تختلف في نهاية السوق، فمنهم من يقول إنها انتهت بالإسلام، وهذا القول تنقصه الدقة لعدم توفر أدلة إسلامية تحرّمه، والقول الثاني أن عكاظ استمر حتى عام 129هـ، حسب قول ابن الكلبي: «وكانت هذه الأسواق بعكاظ ومجنَّة وذي المجاز قائمةً في الإسلام حتَّى كان حديثا من الدَّهر، فأمَّا عكاظ فإنَّما تركت عام خرجت الحروريَّة بمكَّة مع أبي حمزة المختار بن عوف الأزْدي الإباضي في سنة تسْع وعشرين ومائة، فخاف النَّاس أن يُنهبوا، وخافوا الفتنة، فتركت حتَّى الآن، ثمَّ ترُكت مجنَّة وذو المجاز بعد ذلك، واستَغْنوا بالأسواق بمكَّة ومنى وعرفة». (أخبار مكة، للأزرقي: ج1/283. وانظر معجم ما استعجم للبكري: ج3/959).
فما دمنا لم نجد نصا من القرآن أو صحيح السنة يحرّم هذه السوق ويجرّمها، ووجدنا من الأقوال ما يفيد باستمرارها بعد البعثة النبوية في القرنين المفضلين، فما حاجتنا إلى تأول التحريم والجدل، وصرف الناس عن تراث أمتهم؟ خاصة وعكاظ اليوم لم تحي أمرا من أمور الجاهلية المقطوع بحرمتها، فلا فرق بين من يعتبر عكاظ شعيرة جاهلية يجب هدمها ومحوها، رغم سكوت الدين عنها، وبين هادمي آثار العراق وتدمر الموغلة في القدم، وكأن الصحابة لم يتخذوا العراق والشام مقرا لخلافتهم، وأولهم الخليفة الراشد علي كرم الله وجهه، ولم يمس تلك الآثار بأذى، ولو أغضينا وسألنا عمّا تحفل به سوق عكاظ اليوم، فهل سنجد أصناما تعبد، أو خمورا تباع، أو نذورا تذبح لغير الله، أو طقسا من طقوس ما قبل الإسلام؟ أم سنجد شعرا وأدبا ونقدا وفنا وتجارة وفروسية ومناشط أباحها الإسلام.
عندما طمح الملك فيصل ـ يرحمه الله ـ بحنكته وبعد نظره إلى إحياء سوق عكاظ ولم يحقق الله هذا الطموح لجلالته، ظلّ المطمح معلقا حتى أتمّه الله على يدي نجله الأمير خالد الفيصل، لتحقق عكاظ نجاحات على مستوى العالم العربي، وتجعل ثقافة وتراث ومستقبل المملكة حاضرة على خريطة المشهد الثقافي العربي، وتحرك في مثقفيها الطموح إلى الريادة الثقافية عربيا، والحضور عالميا، مؤكدين للعالم عمق تاريخهم وهويتهم العربية الأصيلة، فكل أمم الدنيا تهتم بموروثاتها ومقدراتها التاريخية، وتفاخر بها، وتجعلها مقصدا للباحثين والسيّاح.
ديننا دين يسر ومحبة وثقافة وجَمال، فليت التنطع لا يعمي بصائر بعضنا، ويحملهم الحِجاج إلى تحريم ما أحل الله، فكثرة المحرمات والمحظورات التي سكت عنها الشارع في المجتمع هي سبب الهجرة إلى دول العالم في كل إجازة مهما كانت، وسبب عداوة بعض الشباب لمجتمعهم؛ لأنهم مدججون بأفكار تصادم ما عليه الأسوياء، وليت العلماء يخرجون عن صمتهم.