الرأي

التفكير الاستراتيجي والجودة في إدارة المؤسسات

أبوبكر أحمد ولي
التفكير - كما يذكره علماء النفس - هو إعمال العقل لتحقيق نتيجة ما، كإعمال العقل في التعلم فيكون نتيجته اكتساب المعرفة والمهارات. ومصطلح استراتيجي (استراتيجيا) – بكسر التاء وتسكين الجيم جاءت من اللغة اليونانية وتعني فن القيادة في التخطيط لإنجاز أهداف طويلة المدى.

وإذا جمعنا بين المصطلحين أو الكلمتين –تفكير استراتيجي– سيكون معناها مهارة إعمال العقل للتخطيط للمستقبل وإنجاز الأهداف طويلة المدى. هذا تفسير بسيط للكلمتين بينما هناك تعاريف كثيرة في قواميس اللغات بتنوعها.

تأتي مهارة التفكير الاستراتيجي من أولويات المهارات التي يجب أن يمتلكها قيادات المؤسسات ومديروها التنفيذيون، وذلك لأهميتها في بناء استراتيجية المؤسسة وربطها بالبرامج التشغيلية المحققة للأهداف بشكل مستدام، وتدعم هذه المهارة التعامل مع المفاجآت بطريقة علمية محسوبة ومحددة ضمن الخيارات والسيناريوهات التي حددتها المؤسسة مسبقا للتعامل مع المتغيرات الخارجية والداخلية للمؤسسة، كما تعتبر أيضا من سمات المؤسسات المتميزة والنموذجية في العصر الحديث.

ولا شك أن مهارة استشراف المستقبل والتنبؤ به وفق دراسات ميدانية وبيانات واقعية يعتبر ميزة تنافسية عالية جدا.

وكما تعلم عزيزي القارئ أن الأداء داخل المؤسسات يسير وفق مسارين مهمين: المسار الاستراتيجي والمسار التنفيذي التشغيلي. ولو أردنا أن نرسم صورة لأداء المؤسسات الاستراتيجي والتشغيلي داخل إطار واحد، سنتخيل أن لدينا رؤية بعيدة المدى نستطيع الوصول إليها من خلال طريق طويل مدته ثلاث أو خمس أو خمسة عشر عاما.

وعلى هذا الطريق هناك عجلة (خطط – نفذ – قيم – حسن) تدور هذه العجلة باستمرار وبداخلها ممكنات وبرامج وأنشطة. تتأثر سرعة العجلة إيجابا نحو نهاية الطريق بالنجاحات التي تتحقق من خلال البرامج والأنشطة المنفذة، وتتأثر سلبا بالعوامل الخارجية كالرياح والأمطار وغيرها. ويمثل الطريق الطويل المسار الاستراتيجي، أما العجلة فتمثل الخطط التنفيذية التشغيلية التي ترسمها المؤسسات لتحقيق النجاحات تلو الأخرى، ثم تتراكم المنجزات نحو تحقيق الأهداف على المسار الاستراتيجي.

في هذا السياق نستطيع طرح سؤال مهم جدا وهو «كيف تستطيع العجلة الوصول لنهاية الطريق في الوقت المحدد بطريقة محددة ودون تكاليف عالية؟» الإجابة بالتأكيد ستكون من خلال التفكير الاستراتيجي. وباختصار غير مخل سأذكر خطوات التفكير الاستراتيجي التي تبدأ أولا بتحديد مجال عمل المؤسسة ونطاقها الجغرافي ورسالتها ورؤيتها المستقبلية ونقاط التركيز والأهداف الاستراتيجية والميزة التنافسية التي تمتلكها المؤسسة.

ثم يأتي ثانيا تحليل البيئة الداخلية للمؤسسة والبيئة الخارجية باستخدام إحدى الأدوات العلمية للتحليل البيئي كأداة SWOT للتعرف على نقاط القوة والضعف الداخلية والفرص وقوة المنافسة الخارجية. بعد ذلك تأتي الخطوة الثالثة وهي بناء سيناريوهات ومقاييس الأداء الاستراتيجي ونتائجه وفق بيانات التحليل البيئي للمؤسسة. وأخيرا نصل إلى تشكيل استراتيجية المؤسسة وربطها بالأداء التشغيلي والخطط التشغيلية التي تمكن قائد المؤسسة والمديرين التنفيذيين من الوصول لتحقيق نتائج المؤسسة الرئيسية وبالتالي تحقيق رؤيتها.

ومن وجهة نظري أرى أن مهارة التفكير الاستراتيجي متطلب رئيس من متطلبات تطبيق الجودة وأنظمتها المتعددة داخل المؤسسات، لكونها مهارة تمكن المؤسسات من قراءة البيانات التاريخية والحالية للأداء المؤسسي ودراسة الواقع الحالي لقوة المنافسة وتحديد الأهداف والمستهدفات الاستراتيجية، وتربط بين استراتيجية المؤسسة والأداء التشغيلي التراكمي لتحقيق الرؤية المرجوة، وبالإضافة إلى أن مهارة التفكير الاستراتيجي سمة من سمات المؤسسات المتميزة، هي أيضا تدعم تطبيق الجودة والأداء الصحيح من أول مرة وكل مرة وبأقل تكلفة.

وكما يقول الراوي: الحكمة المؤسسية تكمن في أن يكون التفكير الاستراتيجي مبدأ ذو أولوية من مبادئ الثقافة المؤسسية في جميع المؤسسات.

@abubakrw