makkahnew

الرأي

يبيعون الوهم باسم الطاقة!

يبيعون الوهم باسم الطاقة! يبيعون الوهم باسم الطاقة!
عبدالحليم البراك
أطلقت مجلة اليمامة قبل عشرين عاما تقريبا، في عز تألقها الصحفي ملفا يحمل عنوانا لافتا عن تجارة راجت في وقت ما وهي تجارة العطارة الممنوعة، وكان العنوان الإبداعي «إنهم يبيعون الوهم في جدة» كان الناس يدفعون مبالغ طائلة لأدوية أضيفت لمركبات العطارة، حتى لفتت الانتباه؛ ثم تمت السيطرة عليها باشتراطات لعلها فعالة اليوم، في أثناء ذلك أطلق الشيخ العمري وهو (راق شرعي) تصريحا وكان بمثابة إعلان اعتزال الرقية يقول فيه: أنه لم يثبت أن الجن تتكلم على لسان البشر، وإنما هي أمراض نفسية شاع أنه كلام الجني على لسان الإنس، لدرجة أن يأتي المريض مع مرافق، فيتأثر المرافق وينطق الجن في لسان المرافق قبل لسان المريض!

والشيخ العمري يلفت هو الآخر الانتباه لتجارة الرقية الشائعة في ذلك اليوم، والذي كان يباع الماء بعشرات أو مئات الريالات للعبوة الصغيرة، هذا عدا الهبات التي لم تكن تحدد بثمن، وكانت الأعداد كبيرة جدا لدرجة أنه تتم الرقية الجماعية (النفث الجماعي!!) بسبب أن أعداد الحضور بالعشرات والمئات يوميا مما لا يمكن السيطرة عليه وإنهاء الرقية بيوم واحد، وربما تجمع المئات في بيت الراقي لدرجة يتطلب تدخل المرور في تنظيم الحركة المرورية قرب بيته، حتى تدخلت الجهات ذات العلاقة بالحد من هذا الجنون، وإن كنت شخصيا ألتمس العذر (غير المقبول طبعا) لمحترف بيع الوهم لأنه يتكسب، فإني لا ألتمسه إطلاقا للناس الذين يبيعون عقولهم للوهم وأهله.

والآن ثمة وهم جديد اسمه علم الطاقة يجتمع في المساحة الواحدة في تويتر أكثر من أربعة آلاف شخص يشترون الدخول لهذه المساحة بـ99 ريالا مقابل الإنصات لموسيقى هندية وكلمات مبهمة من بائعي الوهم وعلم النفس الرديء وغير العلمي، معبرين عما يخرج منك من طاقة سلبية، وواصفين لما يدخل في داخلك من طاقة إيجابية والموضوع لا يتعدى الكلام فقط، وهذه المعالجات التي تباع أونلاين لا تكلف شيئا سوى مهارة العبث بعقول الناس من جهة، وجرأة الدخول في هذا (العمل التجاري غير المصرح) من جهة أخرى.

وبطبيعتنا نحب «أسلمة» الأشياء حولنا، فيمارس مدربو إطلاق الطاقة وبرامجها الموهومة، أساليب الأسلمة لهذا الوهم عن طريق خلط كلمات ومصطلحات الطاقة بالآيات القرآنية، فيقولون عن شعورك بخروج سيل الماء من رأسك (يمثل الطاقة السلبية في عقلك الباطن) بإضافة عبارة «وجعلنا من الماء كل شيء حي» أما إن جاء ذلك من السماء، فيتم إقحام قوله تعالى «والسماء ذات البروج» وإن كان ثمة ذكر للحديد، فيمكن القول «وألنا له الحديد» وبهذا تصبح هذه الطقوس القادمة من ثقافة الهند القديمة إسلامية لا عيب فيها!

ونعود للمربع الأول، لنفس سياسة بائعي الوهم في جدة، أو حديث الجن على لسان الإنسان وكيف سيطرت الدولة عليه وتابعت تجارة الوهم فيه في سنوات خلت ولله الحمد، فنأمل من وزارة التجارة (!!!!!) أن تتابع «نوع النشاط التجاري» الذي يمارسه هؤلاء؛ وتحت أي باب من أنشطتها التجارية يمكن إدراجه، وكيف يمكن حماية المستهلك فيه (!!!)، وربما لوزارة الصحة هي الأخرى دور في التوعية تجاه العلاج بالطاقة وأن تطلق تصريحات رسمية توعوية متتالية تدين أو تؤيد هذه الممارسات (بحسب رأيها الطبي فيه)، والشؤون الإسلامية أن توضح شرعية هذه الأعمال التي أخذت من طقوس الشرق والغرب والإسلام وخلطتها بخلاط عجيب، أبرز نتائجه: الوهم، والعبث بجيوب الناس. وأخيرا هل تعتبر هذه الممارسة مشروعة إن تمت ممارستها في فضاء الإنترنت وأفسدت العلاقات الاجتماعية بين الناس، أم إنها جريمة الكترونية يعاقب عليها؟!

Halemalbaarrak@