عذرا سيدة الصباحات وعطرها.. فيروز
الخميس / 15 / ذو القعدة / 1437 هـ - 18:30 - الخميس 18 أغسطس 2016 18:30
لم تعد صباحات الأرض العربية تسمح بعناق الموسيقى ولو بالقدر القابل للرهان على تحقيق الأدنى من التفاعل لا في طلعة الصباح يمكن ذلك ولا في حلول المساء، أوله أو آخره.. تقاسيم الوقت الحاضر أينما اتجهت البوصلة على الخارطة العربية صعبة على الترويض، بل لم تعد قادرة في المجمل على التفاعل البسيط مع صوت الموسيقى لحظات خروجها لمصافحة بواكير النهار، وهو العجز الذي يحول بشكل أو بآخر دون التسلل إلى حضن غروب الشمس أو انزوائها في صدر الطبيعة.
الأصوات الشجية المثيرة للمشاعر المحبوسة في نفوس الناس تتعثر على وقع نشرات الأخبار المشحونة إلى أبعد مدى بالأحزان.
كل اللحظات مشوهة بضجيج المدافع وانفجار القنابل هنا وهناك، وشتان ما بين دوي المقذوفات ومسرى الموسيقى في الشرايين، في محيط الأولى يتفنن البارود في بناء كل المواجع والمتاعب والآلام، وفي عالم الأخيرة تتعدد محاولات ملامسة الوجدان برفق يشد حيل الحياة، وحدها الموسيقى بكل تفاصيلها تحرك المشاعر لفتح مخزون الذكريات قريبها والبعيد، وفي الغالب بنعومة تشجع الحب ولا تخدش الآمال بل تحفزها لتعظيم الحياة، إنها معادلة التناقض ولكنها معادلة الواقع المهيمن على الأرض العربية في زمن تختلط فيه الأشياء وتنتهي إلى لا شيء يعزز تدفق البهجة في النفوس، حقا إنه زمن يصعب فيه رصد خطوات الأيام والتنبؤ بما تخفي الليالي في جوفها.
من الحقيقة أن صوت البندقية يتعارض دون أدنى ريب مع رنين النغم الهادئ ونغم ما فوق درجة الهدوء بقليل، الدرجة التي يفضلها البعض للخروج من المألوف، والصحيح أن ذلك الصوت الغبي المدجج بالوحشية – صوت البندقية ودوي التفجير – يملك بجدارة كل القدرة على تشويه البعد التأملي للموسيقى مثلما يقدر على تعكير الصفو ونشر الأحزان وإيغال صدور البشر بعضها ضد بعض وهو الصوت الذي يدور بصداه في كل الاتجاهات ضد الحياة علانية في محاولة لتحويلها إلى غلطة.
لا شيء يستطيع السير بسرعة في طريق اغتيال الموسيقى والنغم وتنمية التشرد واليتم أكثر من البارود، ولا غرابة في النهايات أن فصلت الموسيقى رغم نبل غاياتها على مقاسات أناشيد وطنية تنبعث من الثكنات، وبعضها كاذب خاضع من أساسه للشعارات المحرضة على الانغماس في الصرعات وتوليد الأموات.
عذرا سيدة كل الصباحات وعشقها – فيروز - لم تعد رسائل الصباح المعزوفة بالناي والعود والقيثارة أو الكمان تنقلنا إلى المكان المختلف ولا إلى الزمان المختلف في عصر طغى عليه البارود ورسم كل ملامحه. هنا أتوقف.. وبكم يتجدد اللقاء.
alyami.m@makkahnp.com