رقصة القيصر ومرارات الجزرة التركية
الخميس / 15 / ذو القعدة / 1437 هـ - 18:15 - الخميس 18 أغسطس 2016 18:15
سأل ثقيل بشار بن برد قائلا «ما أعمى الله رجلا إلا عوضه، فبماذا عوضك؟»، فقال بشار «بألا أرى أمثالك..»!! فبدأت الرغبة المشتركة التي عبّر عنها رئيسا روسيا - الطرف الأقوى في المعادلة - وتركيا - الطرف الضعيف الذي بدأ يرتسم حول نظام إردوغان، سواء في الجوار الأوروبي أو عبر المحيط الأطلسي، أو في المشرق العربي، مما يكشف ضعف «السلطان» - في إعادة العلاقات بين بلديهما بعد فترة من الجفاء والإجراءات الانتقامية والمرارات الشخصية، إذ إنه قانون السياسة، فلا عداء ثابتا ولا صداقة دائمة في سياسات الدول، فإن المصالح وحسابات الربح والخسارة هي التي تتحكم بدفء العلاقة أو برودها.
كان لاعب الشطرنج الروسي يدرك أن ضيفه يواجه وضعا داخليا شديد التوتر والصعوبة، رغم فشل انقلاب دبّره بضعة جنرالات، ملقيا بالمسؤولية على غولن المقيم بأمريكا التي يطالبها إردوغان بتسليمه. إضافة إلى حجم الانقسام السياسي والاجتماعي الذي تثيره حملة التطهير الواسعة التي يقودها إردوغان بخطته المرسومة مسبقا.
ويعزف القيصر بـ»صداقة» تركيا التي ترغب في كسر الطوق عنها، خصوصا الاقتصادية، ليُلجم حماسته ويكتفي بالتلويح له بـ»جزرة» التطبيع بانتظار أن يظهر المزيد من المرونة في الملفات العالقة ويثبت حسن نواياه، مشددا على أن إعادة الأمور لنصابها، تتطلب عملا شاقا وتحتاج إلى وقت، حيث استأنس الرجل بصفة الرئاسة ولم يستيقظ من كابوس «السلطان» الذي أراد إعادة الاعتبار إلى مؤسس تركيا العلمانية أتاتورك، في حين أن وجهة حزبه كلها تقوم على إلغاء «جمهورية أتاتورك» وإحلال جمهوريته الإسلامية مكانها، ليزيد من اندفاعه، بعدما لاحظ «ترددا» أمريكيا وأوروبيا في إدانة الانقلابيين، وعبر أكثر من مرة عن «خيبة أمله» من مواقف حلفائه الغربيين «المتخاذلة» في دعمه، واستيائه من انتقاداتهم لإجراءاته السلطوية المُبالغ فيها. وبدا كأنه يريد الانتقام من حلفائه برغبته في تفعيل سريع للعلاقة مع موسكو التي تمكنت من فرض نفسها شريكا للأمريكيين في بعض أزمات المنطقة. لكن إردوغان منح بذلك بوتين تفوقا إضافيا في المفاوضات معه.
أما مسألة سوريا قد يكون الحل التركيز على نقاط الالتقاء بدلا من الاختلاف، وقد يكون الحل أيضا في «مقايضة» ما في حلب الخاضعة لمد وجزر قد يطولان. ويناسب ذلك بوتين الذي يفاوض من جانبه الأمريكيين على حلب، بعدما تبين أن الدعم الجوي لبشار وميليشيات إيران ليس كافيا لتحقيق انتصارها، إضافة إلى محاولة بوتين التغلب على مشكلة أوكرانيا، فعودة العلاقات مع أنقرة قد تسمح له بإحياء مشروع «تركستريم» لنقل الغاز إلى أوروبا عبر تركيا، ما يجعله قويا في الملف الأوكراني، وتعويض جزء من الخسائر الناجمة عن العقوبات الأمريكية والأوروبية على بلاده بعد احتلالها شبه جزيرة القرم وضمّها.
إنها أزمة لما يخفيه الآخرون في قلوبهم، فإذا وضع موقد لنار الفتنة، أشعل نارها بالكير عند مواتاة الفرص، التي هلت على تركيا من غير سابقة عذاب، لتحيق الآن بشعب تجاوز حارسه كل صلاحياته، لتتفجر في وجه الأول سلطويته دون وعي وتنظيم.