الرأي

لعبة شطرنج المذاهب

شاهر النهاري
أيقنت بعض دول العالم الإسلامي بأن نهج المذاهب السلفية المتشددة كانت من أهم مسببات الإرهاب، فعمدت إلى تشجيع المذاهب المغيبة الأخرى، وبنفس مبادئ لعبة الشطرنج بالصمود والإزاحة والاستبدال. والحقيقة أن في كل مذهب إسلامي ثغرات، بمعنى أنه لا يجوز لنا أن نسقط قلعة مذهب، لنضع في مكانها بيدق مذهب آخر، فهذا لن يكون الحل الأمثل. نعم، الجلي أن بعض الدول العربية والإسلامية أظهرت بوادر الدعم والتبشير بعودة مذهب منتخب، وتسليمه القيادة الإحلالية، مما ينذر باستمرار سيطرة الطيف الأوحد مجددا ومستقبلا على العلم الشرعي والفقه والقضاء والفتوى، وعلى جميع شؤون المسلمين من خلال مذاهب كانت قد عطلت لفترة طويلة من الزمان، ولعل المذهب الصوفي أوضح مثال على مثل تلك التحركات الخفية؛ حيث كثر المنظرون والمبشرون به، وزاد التمجيد له، وإبرازه كحل أمثل لكل المعضلات الشائكة، مما زاد من شيوخه ومجالسه وندواته وكتبه وأتباعه. وهذا وبحسب وجهة نظري الخاصة نوع من التساهل والتلاعب بالعواطف الإنسانية، ونسيان لعبر الماضي، ومحاولة لحل جميع ما يحيق بالمسلمين منذ عقود بأسرع الطرق وأسهلها، بتحييد مذهب وإحلال مذهب آخر، دون جهد وروية وبحث وتبصر. ونظرا لما تنذر به هذه الطريقة من وكسة، وهفوات واستعادة خروق قديمة متكررة، طال الجدل حولها، وكتب فيها من خلال التراث آلاف المراجع، وأن قضاياها لم تحل بعد، ولا أظن الوقت الحالي بتسارعه وتشتته سيتمكن من حلها بالشكل العقلاني المنطقي، الذي يضمن عودة الأمر إلى رقعة سلام متكافئة، لا (كش ملك)، فيها!. علماء المسلمين حقيقة ليسوا ضعاف فكر ولا قليلي معرفة، ولكنهم مبتلون بالحفظ والترديد، وهم ملوك الاختلافات، وتعميقها، والتفاني في إبرازها، ولكن لو وجدت الجهة الرسمية، والسلطة العليا، التي تجبرهم على البحث والتقصي، وتهذيب وتوحيد الرؤية، فحينها سيكون بإمكانهم إعادة دراسة تراث الماضي بكل مذاهبه ومراحله، وبالتالي نبذ كل ما فيها من عسر وتعسر، وتحديد ورسم كل خروج عن المسار، وتكوين مذهب جديد، منتخب من أفضل وأعقل ما يوجد في التراث، ودون انحياز لمذهب سائد، ولا تحييد لمذهب معتزل، ودون تقديس عالم بعينه، ودون تغطية على أعين المسلمين، بإرساء المصداقية والميزان في اختياراتهم، وحتى لا نعود لما نحن فيه من شتات. هيئة كبار العلماء، ورابطة العالم الإسلامي يجب أن يتم جمع وبلورة أهدافهما ورؤيتيهما، وتكوين هيئة موحدة جديدة من خلالهما تضم علماء الدين والشريعة، وعلماء التاريخ، وعلماء الآثار والمخطوطات، والطب، وإضافة من يلزم من العقول النيرة في مختلف العلوم والمعارف الحديثة إليهم، للاستفادة من آرائهم العلمية، حتى ولو كانت تخصصاتهم ليست شرعية!. وهذه الهيئة المستحدثة هي من يترتب عليها القيام بإعادة استقراء الماضي بكامل حسناته وعيوبه، وانتقاء المذهب الحديث، الذي يتوافق مع القرآن، والسنة، والعقل والمنطق، ومع مستجدات الحاضر الذي نعيشه، والذي يفترض به أن يكون مختلفا عما كان يجري على مدى الأربعة عشر قرنا الماضية من خلافات ونشاز. المذهب الجديد سيحتوي على أسس وتفرعات وملامح الإسلام الحقيقي، دون محاباة، ولا تغاض، وسيكون رحمة وسلاما ومحبة للإنسانية جمعاء، كما أراد له الخالق سبحانه وتعالى. shaher.a@makkahnp.com