الرأي

جامعاتنا والمستقبل

طلال الشريف
بعض الوظائف ستعبر إلى المستقبل لحاجة المجتمعات إليها كالوظائف المتعلقة بالتعليم والصحة والأمن والتطور الإنساني، وغالبية الوظائف المعاصرة ستقل أهميتها حتى تنتهي تدريجيا من خارطة الوظائف المستقبلية ليحل محلها وظائف جديدة أو تحل الأنظمة التكنولوجية الحديثة مكانها.

وجامعاتنا لا خيار لها سوى العمل صوب وظائف المستقبل بصورة مختلفة جذريا عن ممارساتها الحالية الإدارية والأكاديمية والمالية، وقد تكون العصا السحرية لهذا الخيار إدارية بالدرجة الأساسية، ترتكز على تطوير النمط القيادي والإداري الشائع في الجامعات.

وإذا أردنا التطور الفعلي لجامعاتنا لتصبح جامعات ذات كفاءة عالية وفاعلية في إعداد الموارد البشرية لمستقبل مختلف عن الحاضر في متطلبات الوظائف والاحتياجات البشرية والتأثيرات التكنولوجية والعلاقات البينية بين المجتمعات، ونريد جامعات منتجة للمعرفة ومساهمة بقوة في تحويل تلك المعرفة إلى منتجات مفيدة لنا وللإنسانية، فلا مناص من التغيير الجذري لبنية الجامعات التنظيمية والإدارية والمالية حتى لو تطلب العمل نحو هذه الإرادة إلغاء بعض الجامعات والكليات ودمج بعضها الآخر، واستحداث تخصصات نوعية جديدة، ودمج التخصصات ذات العلاقات البينية، وتطوير نموذج القيادة الأكاديمية الصرفة إلى نمط قيادي مشترك يجمع بين الإداري المتخصص المحترف في ممارسة العمل الإداري والمالي والأكاديمي الخبير بالشؤون الأكاديمية، واختصار الرحلة التعليمية وتسريعها دون إخلال بمستوى المخرجات المعرفي والمهاري، وتقديم الجامعات للضمانات الكافية لسرعة الالتحاق بسوق العمل بعد التخرج مباشرة بناء على حجم المعرفة والمهارة التي ستكسبها الجامعة لطلابها، ومضاعفة القبول في التخصصات المستقبلية وفق تقدير الاحتياج الوطني الحقيقي للعشرين عاما القادمة على أقل تقدير، والحد من القبول في التخصصات الإنسانية إلى المستوى الذي يمكن الجامعات فقط من المحافظة على وظيفة التعليم لغرض التعليم والإسهام العلمي في مجال التخصصات الإنسانية.

اليوم وبكل صراحة جامعاتنا تتسم بالصورة النمطية التقليدية من الأداء الإداري والأكاديمي والمالي، ومستمرة في منهجيتها وممارساتها الإدارية، ومع ذلك تتمتع بموازنات حكومية مليارية أدت بها تلك الموازنات إلى هياكل تنظيمية متضخمة ومخرجات متواضعة ومنتجات معرفية ضعيفة، وموارد بشرية بمهارات تقليدية غير متطورة، والأخطر من ذلك أصبحت تسهم الجامعات بدون قصد في رفع معدلات البطالة في المجتمع بتخريج آلاف الطلاب والطالبات سنويا معظمهم في تخصصات لا تحتاجها المشروعات التنموية الوطنية، في صورة مخالفة لما ينبغي أن تكون عليه كمؤسسات قيادية للمجتمع قادرة ومتمكنة من إحداث التغييرات التي تناسب ومعطيات العصر ومتطلباته.

وتزداد الأمور صعوبة في الجامعات الناشئة التي بنيت على أساس تحويل فروع بعض الجامعات إلى جامعات مستقلة ثم توسعت في إضافة بعض الكليات النوعية المحدودة وغير النوعية في تنافس وتوسع غير مبرر في مختلف المناطق والمحافظات والمراكز دون تخطيط تنموي يأخذ في الاعتبار الاحتياجات التنموية الحقيقية في مختلف مناطق ومحافظات المملكة، مما أدى إلى الاستمرار في استنزاف الموارد المالية لتشغيل هذه الجامعات المتضخمة هيكليا مع ضعف مستوى الفاعلية الأكاديمية والبحثية.

وتقع مسؤولية استمرارية الجامعات في منهجيتها التقليدية على إدارات الجامعات، التي لم تستثمر مقومات طبيعة الجامعات واستقلاليتها في اتخاذ القرارات التشاركية من خلال مجالس حوكمتها المتعددة، ما يعني أهمية وعي إدارات الجامعات بالتطوير الذاتي من خلال العمل الجاد على إعادة هندسة هياكلها التنظيمية لتصبح هياكل رشيقة وملائمة للاحتياجات الوطنية كأول خطوة على طريق تصحيح المسار والتحول السريع إلى مؤسسات أكاديمية مرنة في إجراءاتها وأداءها، ومطالبة بالخروج من عزلتها وانطواءها والاستجابة لمتطلبات الحياة المعاصرة والانفتاح على مجتمعاتها في صورة تشاركية حقيقية لا صورية.

وأن لم تبادر الجامعات وتسارع بتطوير ذاتها وتغيير منهجيتها بشكل جذري وفق المعطيات المعاصرة، فستجد نفسها غير قادرة على مجاراة التحولات التنموية الوطنية ولا على التنافسية مع الجامعات المرموقة على المستوى المحلي والدولي، وأعتقد أن الجامعات بحاجة ماسة إلى الاستعانة ببيوت خبرة عالمية متخصصة تساعدها على إدارة شؤونها في أي صورة من صور التعاقد أو التعاون أو الشراكة مع مؤسسات عالمية مماثلة تكتسب من خلالها الخبرات الكافية في ممارسة وظائفها بكل كفاءة واقتدار.

drAlshreefTalal@