الرأي

سلطة القانون بدلا من سلطة المجتمع

ناصر محمد الجهني
عندما تضعف سلطة القانون وتتهاون الجهات الرسمية بفرضه وفرض هيبته وغرس أهميته بالتطبيق الجازم الصارم، والسماح بتجاوزه، والتهاون حيال التلاعب به، عندما يكون ذلك هو الواقع في مجتمع ما فإن أفراد ذلك المجتمع يلجؤون لعلاقاتهم وصلاتهم وأقاربهم ومعارفهم وأصدقائهم وأفراد جماعتهم لقضاء احتياجاتهم، وتحقيق طلباتهم التي إما لا تتحقق أو تتحقق بصعوبة من خلال القوانين والأنظمة التي إما أن تكون قوانين وأنظمة مترهلة لا تتجاوب وحاجات الفرد، أو أن القائم على تنفيذها متسيب متسلط يستمد قوته ومكانته من منصبه، بحيث يفرض النظام على من شاء ويتجاوزه لمن شاء. هذا الوضع بما يخلقه من حاجة للآخرين (الواسطة) يجعل لهم سلطة على الفرد، كونه في النهاية بحاجة إليهم، ومن هنا تصبح للمجتمع سلطة على الفرد وهو ما يسمى بضغط المجتمع على أفراده لنيل الرضى والقبول لحاجة الدعم والمساندة التي يحتاجها لضعف تطبيق القانون. هذا الضغط الاجتماعي يخف أو يكاد يتلاشى في المجتمعات التي يكون فيهـا للنظام احترامه والتي يتم فيها تطبيق القانون كونه فيها عرفا منكرا تجاوزه، ويتزايد الضغط الاجتماعي حيث التسيب والتلاعب والتهاون بالنظام وبالقانون. من هنا يحرص أفراد مجتمعات الضغط على إظهار ما يرضي المجتمع وإن مارسوا غير ذلك في الخفاء، وبذا تتشكل الشخصية المزدوجة في هذه المجتمعات والتي تهتم بالظاهر المرئي للناس فقط لتحقيق القبول الاجتماعي، ومن ثم يصبح الظاهر فعلا مصطنعا مزيفا لا يمت للواقع بصلة في هذه المجتمعات. أمام الناس هو أب مثالي وزوج مثالي وابن مثالي وهي أم مثالية وزوجة مثالية وابنة مثالية، وخلف الأبواب المغلقة يجسد كل منهما أبشع وأحط وأرذل النماذج. وفي هذه المجتمعات يهتم الفرد بمظاهر الدين من لحية وثوب قصير وصلاة في المسجد وعدم تدخين، كونها أمورا ظاهرة للمجتمع الضاغط، بينما لا يكترث بجوهر الدين وقيمه وروحه، فتجده يسرق ويكذب ويغش ويظلم، كون ذلك كله غير مرئي. يتحدث الفرد في هذه المجتمعات الضاغطة بالمثالية ويتشدق بها قائما قاعدا في كل محفل ومتفل بينما يمارس كل أنواع الرذائل مع ربه ووطنه وأهله وأصدقائه وحتى أبنائه. يهتم الفرد بالظاهر والظاهر فقط يقدم من خلاله صورة لنفسه ملؤها الطهر والعفاف والاستقامة والحياء والتدين، بينما يجسد في الباطن أحط وأقذر أنواع العهر والرذيلة والسفه والفسق والمجون والسفور. من هنا يصبح من الضرورات المطلقة لاستقامة أفراد أي مجتمع وصلاح حالهم ونقاء واقعهم رفع هذا الضغط الاجتماعي عن كاهل أفراده وتحييد ونفي حاجة الفرد للآخرين وخضوعه لهم، وذلك بفرض القانون وتسييد النظام وغرس وتجذير أهميته واحترامه وفرض العقوبات الصارمة النافذة على كل متجاوز للأنظمة متلاعب بالقوانين، حتى يصبح اتباع القانون أوثق الأعراف وآصلها، وتجاوزه أشد المنكرات وأرذلها في الفكر الجمعي للمجتمع وفي فكر ونفس وذات كل فرد من أفراده، ولتكون السلطة للقانون بدلا من أن تكون للمجتمع. nmjuhani@makkahnp.com