الرأي

الأجنحة الإدارية بين ولاء وبلاء

علي المطوع
هناك ثلاثة أجنحة في المنظومات الإدارية المريضة يتصارعون (النفوذ والحضور والنفور)، كل منهم يعمل على شكله وشاكلته وفق مبادئه وغاياته، وكلهم ينطلقون من مفاهيم عجيبة وغريبة، وإليكم تفصيلهم وتفاصيلهم في هذه المساحة البسيطة:

1 - الجناح الأول وهو الجناح الذي انتعله - عفوا اتكأ - عليه هذا المدير ليمارس تجاوزاته الإدارية والمالية، فهم شرار الموظفين وأقذرهم وأقدرهم على فعل الخطأ ومحو آثاره، الغاية لديهم تبرر الوسيلة، همهم أنفسهم ورضا مديرهم الذي استطاع أن يصطفيهم من بين عشرات الأسماء المستعدة لبيع ضمائرها المعلبة ثمنا لمكاسب مادية وقتية وأدبية رخيصة.

هؤلاء تتغشاهم حالة من التوجس والخوف والريبة على مستقبلهم القادم بعد رحيل كفيلهم الإداري، الذي استخدمهم في عملياته الإدارية اللاأخلاقية والمالية المشبوهة، هؤلاء هم الصبيان الذين كان يطلب منهم مضايقة فلان وتتبع خطواته وتكبير زلاته، هؤلاء هم من كانوا يزورون الأرقام ويختزلون الأحداث ويجتزئونها لتقديم صورة مكذوبة ترضي هذا المدير المعتوه ليتشفى ويظلم ويظهر وينتقم.

يبدأ خوفهم متزامنا مع أي موجة تغيير قادمة؛ فيبدؤون بطرح ذلك السؤال المفزع «وماذا سنفعل في المرحلة القادمة؟» وخاصة أنهم قد أصبحوا محسوبين على نظام إداري سابق تجاوز وآذى وظلم؟ «ما عسانا أن نفعل لنحسن صورتنا أمام الإدارة القادمة وما تتطلبه من حضور جديد ووجوه مقنعة ومقنّعة تستطيع القيام بأدوار تتفهم طبيعة المدير القادم وشخصيته وطريقة حضوره؟».

هذا الجناح هو إلى الذبول أقرب وإلى الانكسار أجدر فقد انتهت صلاحيته وأصبح أفراده محسوبين على مرحلة بائدة، فهم باختصار فلول مرحلة ولت ولن تعود وهذا ما يجعلهم يعيدون التواصل مع الجناح المعارض الذي أذاقوه الذل والهوان في تلك السنين الخوالي عندما كان كفيلهم هو المسيطر ليبرروا لهم أسباب إقصائهم وبراءتهم مما أصابهم.

2 - الجناح الثاني لا يقل سوءا عن سابقه، ولكنه شرد وطرد وقهر من قبل المدير السابق، ومع تباشير رحيل هذا المدير راح هؤلاء يكثفون من اجتماعاتهم ويحييون تاريخهم النضالي القديم الذي ساهم في تقديمهم كجناح ساد في مرحلة كانت الكلمة كلمتهم والحضور بهم ومنهم ولهم، يبدأ هؤلاء بوضع قائمة بأسماء معارضيهم الذين آذوهم -وأكلوا الأجواء عليهم-، ويبدؤون في إرسال مبعوثيهم إلى كل مرشح قادم محتمل ليدير إدارتهم فيقدمون له القرابين والأيمان المغلظة أنهم فرحون وفخورون به كونه من سيقضي على زمرة الفساد التي زرعها سلفه وأنهم قادرون على مساعدة هذا المدير الجديد في تجربته القادمة كونهم الأكثر خبرة ونفوذا في هذه المنظومة.

هذا الجناح يتربص بالجناح السابق وينعتونهم بأنهم فلول المرحلة السابقة وأنه لا مكان لهم في مشاريع النجاح القادمة في هذه المنظومة التي أثقلتها الصراعات وأخذتها إلى جوانب متطرفة من الفساد المالي والإداري على حد سواء!

3 - أما الجناح الثالث فهو إلى السكينة أقرب وبها أجدر وأخبر، هؤلاء محسوبون على العمل ومصالحه ومطامحه، صادقون وقادرون على صنع فارق عملي حقيقي للمنظومة متى ما أتيحت لهم الفرصة، لا يشكلون تيارا في الإدارة مثل من سبق ذكرهم، لكنهم مخلصون نزيهون منزوون في ظل سيطرة الفاسدين على مفاصل القرار والتأثير في تلك الإدارات.

ماذا بقي أيها السادة؟ بقي صورة رحيل هذا المدير الفاسد ومواليه الذين يودعونه والدموع في مآقيهم حزنا على أنفسهم لا عليه، كونهم مقبلين على مرحلة مختلفة جديدة قد يكونون فيها أو لا يكونون، أما هو -المدير- فإنه يعرف ما تكن صدور هؤلاء ويعلم أنهم مجرد أدوات انتهى عمرها الافتراضي وبقيت صورها المقيتة والدنيئة في نفسه، والتي تجسده وتجعله يتساءل مكرها عن حقيقته كإنسان، شاع وصاع وضاع وأضاع، وعن معاركه الإدارية التي انتصر فيها مؤقتا لكن ملفاتها ما زالت مفتوحة، بعضها يرفع للسماء في الثلث الأخير من الليل، وبعضها ما زال يدار في إدارات الرقابة كملفات يجب أن توفى وتستوفى حقوقها، وبعضها ما زال بيد بعض أفراد فريقه، الذين سيقدمونها لاحقا لخلفه كعربون نزاهة وثقة، يثبتون من خلالها أنهم كانوا وما زالوا محسوبين على المرحلة الجديدة، أما ما سلف فهو مسؤولية سعادة المدير التالف الذكر، والسالف الحضور.

alaseery2@