الرأي

حديث حول الأمن الغذائي

عبدالله العولقي
خلال جائحة كورونا، عرف العالم قيمة الصناعات الوطنية المحلية كالصناعات الغذائية والمستلزمات الطبية ومنها بالطبع صناعة الكمامة الوقائية، وخلال أزمة أوكرانيا الحالية ظهر للعالم قيمة الأمن الغذائي، وكما أن للمحن منحا فقد استفادت دول عديدة من هذه الأزمات الطارئة، كالهند مثلا والتي تمكنت من زيادة صادراتها من القمح في هذا العام إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه في السابق، وأضحى مندوبوها يتجولون في عواصم وموانئ العالم لترويج صادراتها من القمح.

عالميا، تعد الصين أكبر منتج للقمح ولكنه مستهلك داخليا في السوق المحلية، وتأتي الهند في المرتبة الثانية، ولولا أزمة المناخ وموجات الحر المتفاقمة والتي أضرت كثيرا بالمحاصيل الزراعية لأصبحت الهند الملاذ الغذائي الأول لكافة العالم، ولعل دولا عربية تأتي في مقدمة مستوردي القمح الهندي كالإمارات العربية المتحدة وقطر وسلطنة عمان والجزائر، بالإضافة إلى مصر والتي تصنف بالدولة الأولى عالميا باستيراد القمح من الخارج!!

لعل الغرابة ظهرت على محيا القارئ الكريم تجاه الدول العربية النهرية كالعراق ومصر وتفويتهم فرصة الاستفادة من الميزة المائية وتحقيق معدل الاكتفاء الذاتي من القمح بيد أن هناك عوامل أخرى حالت بين ذلك، يأتي في مقدمتها الاضطرابات السياسية، بالإضافة إلى عامل جغرافي مهم وهو أن أغلب الدول العربية تأتي ضمن بيئة صحراوية تعاني من قلة الأمطار وندرة المياه الجوفية مما صعب من عمليات تطوير الزراعة، وهناك عامل آخر تعاني منه الدول غير الخليجية وهو غياب التخطيط المنهجي لتطوير الزراعة، ولذلك ظلت هذه الدول تستخدم الأساليب التقليدية في الري مما تسبب في إشكالية أخرى وهي الهدر المائي، بالإضافة إلى غياب المعدات الحديثة والتي توفر الوقت والجهد في العملية الزراعية.

بعض الدراسات الإنمائية تؤكد أن عدد سكان العالم سيزيد بنسبة الثلث بحلول عام 2050م، ومن أجل إحلال الأمن الغذائي العالمي فلا بد من تطوير القطاع الزراعي دوليا بتوظيف التكنولوجيا النووية الحديثة والتي ستسهم بتقديم نظم أكثر إنتاجية وفاعلية، وستقلل من آثار التقلبات المناخية وآثارها السلبية على المنتجات الزراعية، ابتداء من السيطرة على تآكل التربة ووصولا إلى تحسين خصوبة الأراضي وكفاءة استخدام المياه.

وهنا لا بد من وقفة حول التجربة السعودية في الزراعة، والتي تأتي ضمن أولويات الرؤية الوطنية 2030، فعلى الرغم من الطبيعة الصحراوية الجافة للجزيرة العربية إلا أن المملكة قد تمكنت من إحداث قفزة هائلة عبر منظومة متكاملة من المشاريع الزراعية، وبتوظيف أحدث التكنولوجيا في الإنتاج الزراعي والحيواني، بالإضافة إلى منهجية الاستثمار الزراعي في الخارج، والتي توسعت المملكة في مشاريعه الاستراتيجية الضخمة حتى غدت اليوم تمتلك أكبر طاقة تخزينية للقمح والدقيق في منطقة الشرق الأوسط.

@ALBAKRY1814