الرأي

البلاستيك الدقيق ومخاطره والبلاستيك الحيوي كبديل آمن

نيرمين عادل السمري
اللدائن الدقيقة هي خليط غير متجانس من الجسيمات التي يتراوح قطرها بين بضعة ميكرونات وعدة مليمترات، وتتباين في أشكالها وألوانها، وقد تم العثور عليها في كل مكان تقريبا على سطح الأرض، فهي متواجدة على نطاق عالمي من القطبين إلى خط الاستواء وفي البحار والأنهار والمحيطات، وفي غالبية الكائنات الحية والشواطىء وفي الرواسب البحرية.

وجدت دراسة حديثة أن المتنزهات والمحميات الطبيعية في غرب الولايات المتحدة تتلقى أمطارا ثابتة من البلاستيك بمعدل حوالي 132 شظية لكل متر مربع في اليوم، ما يصل إلى أكثر من 1000 طن سنويا في هذه المناطق المحمية.

وقدرت دراسة عام 2017 أنه تم إنتاج حوالي 8.3 مليارات طن من البلاستيك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما بدأت تنتشر على نطاق واسع. من بين جميع النفايات الناتجة عن هذه المواد، انتهى المطاف بـ 79% في الطبيعة.

بحلول عام 2050 ستكون المناطق الطبيعية في العالم موطنا لـ 12 مليار طن من البلاستيك، وأظهرت دراسة حديثة أيضا أن المواد البلاستيكية المحمولة جوا ضمن النطاق القابل للتنفس، ونظرا لعظم الخطر فهناك تشريعات تم سنها للحد من انتشار تلك الجسيمات منها ما صدر في الاتحاد الأوروبي 2010 لتعديل الاستراتيجية البحرية كما ظهرت إجراءات وتشريعات صناعية للحد من استخدام منتجات البلاستيك في مستحضرات التجميل، لكن حتى في حالة توقف الاستخدام، فمن المحتمل أن تستمر كميات الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في الزيادة في البيئة بسبب تجزئة العناصر القديمة من الحطام الأكبر.

ومن ثم، فمن الضروري اكتساب المزيد من الفهم حول مصادر وعواقب ومصير الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في المحيط.

وتتنوع مصادر البلاستيك الحيوي حيث تتكون اللدائن الدقيقة عندما يتكسر البلاستيك المهمل إلى قطع أصغر وأصغر لا يمكن تنظيفها أو احتوائها، لم يتم بعد فهم تأثيرات اللدائن الدقيقة على النظم البيئية وعلى الكائنات الحية؛ لكن تركيزاتها المتزايدة في المياه في جميع أنحاء العالم دفعت العلماء إلى تكثيف أبحاثهم.

أصول الجسيمات البلاستيكية المتناهية الصغر (اللدائن الدقيقة) في البيئات البحرية

تم اعتبار شظايا البلاستيك الصغيرة والألياف والحبيبات، التي يطلق عليها مجتمعة «اللدائن الدقيقة» من الملوثات في حد ذاتها.

يمكن أن تعزى أصول اللدائن الدقيقة إلى مصدرين رئيسيين:

1 - الإدخال المباشر كجسيمات دقيقة مع الجريان السطحي للمصادر المائية مثل مياه الصرف الصناعي والبشري والزراعي، حيث تستخدم هذه المواد البلاستيكية عادة في منظفات الوجه ومستحضرات التجميل ومقشرات الوجه وتعرف بالميكروبيدات، وقد يوجد بها بعض الإضافات مثل حبيبات البولي أيثيلين والبولي بروبلين، وكذلك في الملابس والأدوات ومنتجات التغليف تجد طريقها للبيئة البحرية عبر بعض المصارف.

2 - اللدائن الدقيقة الثانوية، تصنف اللدائن الدقيقة الثانوية على أنها شظايا بلاستيكية صغيرة مشتقة من تحلل الحطام البلاستيكي الأكبر حجما، سواء في البحر أو على اليابسة، وبمرور الوقت يمكن أن يؤدي ذروة العمليات الفيزيائية والبيولوجية والكيميائية إلى تقليل السلامة الهيكلية للحطام البلاستيكي، مما يؤدي إلى التفتت وعلى مدى فترات طويلة، يمكن أن يؤدي التعرض لأشعة الشمس إلى تحلل المواد البلاستيكية ضوئيا؛ حيث تسبب الأشعة فوق البنفسجية في ضوء الشمس أكسدة مصفوفة البوليمر، مما يؤدي إلى انقسام الرابطة وتحلل البوليمر وقد ينتج عن هذا التحلل إطلاق المواد المضافة، المصممة لتعزيز المتانة ومقاومة تآكل البلاستيك. ومن المحتمل أن تحظر الظروف الباردة للبيئة البحرية هذه الأكسدة الضوئية، ومع ذلك فإن الحطام البلاستيكي على الشواطئ يحتوي على نسبة عالية من الأكسجين وأكثر عرضة للتعرض المباشر لأشعة الشمس، لذلك سوف يتحلل بسرعة، مع مرور الوقت سيصبح هشا، ويشكل تشققات ومع فقدان السلامة الهيكلية تكون هذه المواد البلاستيكية أكثر عرضة للتشظي الناتج عن التآكل والأمواج والاضطراب، وهذه العملية مستمرة، حيث تصبح الأجزاء أصغر فأصغر بمرور الوقت حتى تصبح بلاستيكية دقيقة في الحجم، ومن المعتقد أن اللدائن الدقيقة قد تتحلل أكثر لتصبح نانوية الحجم، على الرغم من أن أصغر جزيئات دقيقة تم الكشف عنها في المحيطات حاليا يبلغ قطرها 1.6 ميكرومتر.

من المحتمل أن يكون وجود اللدائن النانوية في البيئة البحرية ذا أهمية متزايدة في السنوات القادمة، وقد بدأ الباحثون بالفعل في التكهن بالتأثير الذي قد يكون لتراكم هذا الملوث في قاعدة البحارو تأثير ذلك على الكائنات البحرية والشبكة الغذائية.

وتشير التقديرات إلى أنه يتم إطلاق ما يصل إلى 2.4 ملغ للفرد -في اليوم الأول- من البلاستيك الدقيق في البيئة.

وجدير بالذكر أن غالبية الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في البيئات البحرية تنتج بالفعل من التشقق والتشظي في الموقع للبلاستيك الوسيط والقمامة البلاستيكية في بيئة الشاطئ بفعل الأشعة فوق البنفسجية، وتتجمع القمامة البلاستيكية على الشواطئ والمياه السطحية وبيئات المياه العميقة وتتعرض نفايات البلاستيك الملقاة على الشواطئ لدرجات حرارة عالية جدا، ويمكن أن ترتفع درجة حرارة أسطح الشواطئ الرملية والقمامة البلاستيكية الموجودة عليها إلى درجة حرارة 40 درجة مئوية وأكثر في الصيف.

وعندما يكون حطام البلاستيك مصطبغا داكنا، فإن تراكم الحرارة بسبب امتصاص أشعة الشمس يمكن أن يرفع درجة حرارته أعلى ويحدث التكسر التأكسدي الأولي تقريبا عند الطبقات السطحية، خاصة مع المواد البلاستيكية غير الشفافة، ويحدث التكسر بشكل أسرع نتيجة للأشعة فوق البنفسجية. النتيجة الصافية لهذا النمط من التكسر التأكسدي هي طبقة سطحية ضعيفة وهشة تنتج العديد من التشققات الدقيقة على سطح البلاستيك، وهذا السطح الهش معرض للكسر بسبب الإجهاد الناجم عن تغيرات الرطوبة أو درجات الحرارة وكذلك التآكل بفعل الرمال، ثم تشتق الجزيئات الدقيقة من البلاستيك من هذه الطبقة السطحية الهشة.

يلاحظ التكسير الدقيق السطحي بشكل شائع في المواد البلاستيكية المعرضة للأشعة فوق البنفسجية بما في ذلك البولي إيثيلين عالي الكثافة والبولي إثيلين المنخفض الكثافة والبولي كربونات والبولي بروبيلين. وبهذا ينجم عن ذلك تكسير دقيق وتنقر على نطاق واسع من الحطام الوسيط البلاستيكي على الشواطئ، وفي تجربة تمت على عينة حبل من مادة البولي بروبلين البلاستيكية التي تعرضت للعوامل الجوية على رصيف لعدة سنوات وجد أنه عند استخلاصها بالماء المقطر ظهرت كميات كبيرة من البلاستيك الدقيق الذي تم تصويره بواسطة الصباغة باللون الأحمر النيلي، ومع أن مياه البحر تحتوي بالفعل على العديد من الجسيمات الدقيقة والنانوية الطبيعية معظمها أقل من 100 نانومتر ولكن الحيوانات التي تتغذى بالترشيح في المحيط بدءا من العوالق الحيوانية النانوية إلى الحيتان تتعامل بشكل روتيني دون أي تأثير ضار واضح لهذه الجسيمات لكن في حالة البلاستيك متناهي الصغر ونظرا لعدم توفر مسارات إنزيمية لتحطيم البوليمرات الاصطناعية في أي من هذه الكائنات الحية، فإن المواد البلاستيكية الدقيقة التي يتم تناولها لا يتم هضمها أو امتصاصها لكن المشكلة قدرتها على توصيل الملوثات العضوية الثابتة المركزة، وخاصة تلك التي يتم التقاطها وتركيزها على أسطح اللدائن الدقيقة من مياه البحر، إلى الكائنات الحية وغالبا هذه الملوثات العضوية الثابتة هي التي تؤدي إلى النتائج السامة.

انتقال البلاستيك الحيوي عبر السلسلة الغذائية

نتيجة لدقة حجم جزيئات البلاستيك متناهية الصغر فهي تدخل تقريبا على جميع الكائنات البحرية ويمكن أن تسبب تسمم ويعزى أي تسمم مرتبطة بالبلاستيك بشكل عام، بما في ذلك المواد البلاستيكية المتوسطة أو الدقيقة، إلى واحد أو أكثر من العوامل التالية:


  • قد تتسرب المونومرات المتبقية من التصنيع الموجود في البلاستيك أو المضافات السامة المستخدمة في تركيب البلاستيك.


  • سمية بعض المواد الوسيطة من التحلل الجزئي للمواد البلاستيكية.


  • يتم امتصاص الملوثات العضوية الثابتة الموجودة في مياه البحر ببطء وتتركز في شظايا البلاستيك الدقيق وحطام البلاستيك الذي يجمع من مياه البحر والمواد الكيميائية الملوثة الذائبة. وعند تناولها يمكن أن تصبح متاحة بيولوجيا للكائنات البحرية ومنها الطحالب البحرية والقشريات وبالذات الجمبري وأسماك القرش.




وحقيقة فإن المخاطر التي تشكلها التركيزات العالية للملوثات العضوية الثابتة الملتقطة من مياه البحر لها أهمية خاصة، حيث تحتوي مياه البحر عادة على مستويات منخفضة من مجموعة من الأنواع الكيميائية مثل المبيدات الحشرية ومبيدات الآفات والمواد الكيميائية الصناعية التي تدخل المحيط عن طريق مياه الصرف والجريان السطحي والتي قد تحتوى على الملوثات العضوية الثابتة مثل ثنائي الفينيل متعدد الكلور (PCBs)، وإيثرات ثنائي الفينيل متعدد البروم (PBDEs)، وحمض البيرفلورو أوكتانويك (PFOA) والتي يمكنها أن تستقر على البلاستيك، وقد وجد أن الكائنات الدقيقة من أكثر الكائنات التي تراكم البلاستيك متناهي الصغر المستقر بالأعماق مثل الطحالب وغيرها، والتي بدورها تمثل بداية السلسلة الغذائية وتتغذى عليها الكائنات الأخرى.

ويتوقف مقدار السمية على الكمية المتناولة من البلاستيك متناهي الصغر وكذلك مدة استقرارها بداخل الكائن، ووجد بعض العلماء أنها تتواجد أيضا في الدهون وتزداد المشكلة سوءا عندما تتراكم على جسيمات البلاستيك الدقيقة الفضلات والطحالب مما يجعلها وجبة مغرية للحيوانات وتنتقل عبر السلسلة الغذائية من كائن لآخر ويتفاقم الوضع عندما يتراكم البلاستيك وفوقه بعض المواد الممتزة على سطحه والتي تتميز بإتاحتها بيولوجيا وتراكمها وسميتها وتشمل هذه الملوثات المواد الثابتة والمتراكمة بيولوجيا والسامة ثنائي الفينيل متعدد الكلور والديوكسينات.

نظرا لأن هذه الملوثات كارهة للماء، فإن هذه الملوثات لها ارتباط أكبر بالبلاستيك أكثر من مياه البحر والرواسب الطبيعية، ويبدو أن جزيئات اللدائن الدقيقة تعمل كناقلات لهذه الملوثات للحياة البرية عندما تبتلعها الكائنات البحرية، يمكن إطلاقها في السائل الهضمي ويمكن نقلها إلى الأنسجة، ويمكن أن تتسرب هذه المواد الكيميائية إلى الخلايا وتتفاعل مع الجزيئات الحيوية المهمة وتسبب اضطراب الغدد الصماء، بالإضافة إلى ذلك لا تمتلك المواد البلاستيكية القدرة على نقل الملوثات فحسب بل يمكنها أيضا زيادة ثباتها البيئي.

البلاستيك الحيوي

يتم تعريف المواد البلاستيكية الحيوية على أنها تلك البوليمرات المستمدة من الكائنات الحية والتي تختلف في خصائصها وتطبيقاتها ومصادرها، والبلاستيك الحيوي قابل للتحلل البيولوجي، وتنبع الكتلة الحيوية المستخدمة في البلاستيك البيولوجي من الذرة أو قصب السكر وغيرها من النباتات أو الطحالب.

والتحلل الحيوي هي عملية كيميائية تتم من خلال الكائنات الحية الدقيقة التي تتوفر في البيئة والتي تقوم بتحويل المواد المعقدة إلى مواد بسيطة، وتعتمد عملية التحلل الحيوي على المحيط الظروف البيئية (مثل الموقع أو درجة الحرارة) وتعتمد كذلك على نوعية المواد وعلى التطبيق المطلوب.

البلاستيك الحيوي من الطحالب

أحد أكثر منتجات الطحالب الدقيقة شيوعا هو مادة بولي هيدروكسي ألكونات، وهي من أكثر المواد استخداما لإنتاج البلاستيك الحيوي، ومع ذلك لا تزال هناك حاجة لتوسيع نطاق إنتاج الطحالب الدقيقة مما يستلزم تحسين التقنيات وكفاءتها لدعم تسويق وتصنيع البلاستيك الحيوي، من ناحية أخرى في حالة الطحالب البحرية الكبيرة أو أعشاب البحر فقد يصل طولها إلى عدة أمتار وتوفر كتلة حيوية كبيرة مناسبة للاستغلال الصناعي، وهي أفضل من حيث الإنتاجية للبلاستيك الحيوي لكبر حجمها وتعدد المواد التي يمكن استخلاصها منها، مثل الدهون والكربوهيدرات والبروتين والتي يمكن تحويلها لبلاستيك حيوي، والمجموعات الثلاث الرئيسية من الطحالب الكبيرة هي البنية والخضراء والحمراء، وتنتشر بشكل كبير على الشواطئ والأجزاء الساحلية بوفرة وبدون تكلفة تذكر.

أخيرا أعبر عن شكري وعرفاني لمنحة كرسي بنك البلاد للأمن الغذائي - عمادة البحث العلمي - وكالة الجامعة للبحث العلمي والدراسات العليا بجامعة الملك فيصل - شراكة مجتمعية رقم 11.