العالم

لماذا استدعى خامنئي الأسد إلى طهران؟

مباحثات سرية جدا.. والطرفان يكشفان عن الرحلة الغامضة بعد نهايتها

الأسد يتوسط رئيسي وخامنئي (مكة)
فجأة ودون سابق إنذار، استدعى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الرئيس السوري بشار الأسد لزيارة طهران.

مباحثات سرية وغامضة شهدتها الزيارة التي جرت في الأيام الماضية، في ظل حصار عالمي ومقاطعة دولية للنظامين الإيراني والسوري، بعد الجرائم التي ارتكبت في البلدين على مدار السنوات الماضية.

رصدت الباحثة المصرية صافيناز محمد، خبيرة الشؤون العربية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 3 دلالات رئيسة للزيارة السرية، بداية من التأكيد على استمرار التحالف بين النظامين رغم انشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا، مرورا بالتأكيد على مخاوف الملالي من وضع دمشق ضمن أوراق الضغط الدولية في مفاوضاتها الأخيرة، وإعادة رسم خريطة المصالح الاستراتيجية لطهران، وأخيرا الإملاءات الإيرانية الجديدة بشأن علاقات سوريا مع جيرانها وإطارها العربي.

دلالات هامة

ترى الباحثة التي تتولى رئاسة دورية (بدائل) السياسية، أن الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد لطهران، والتي لم يعلن عنها مسبقا، عكست العديد من الدلالات المهمة سواء على مستوى توقيت الزيارة التي تمت في ظل تطورات إقليمية ودولية تتغير مستجداتها بصورة سريعة من ناحية، أو على مستوى العلاقات الثنائية بين الحليفين السوري والإيراني ومستوى اللقاء نفسه الذي جمع الرئيس الأسد ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي بحضور المرشد الأعلى على خامنئي من ناحية ثانية، وكذلك على مستوى مستجدات التفاعل الروسي- الإيراني بشأن الأزمة نفسها على هامش الحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا على مدى الشهرين الماضيين من ناحية ثالثة.

وتؤكد أن أهمية الزيارة لدى الجانب الإيراني انعكست بوضوح في بيان المرشد الأعلى على خامنئي المنشور على موقعه الالكتروني، حيث أشار البيان إلى «حيوية» العلاقات الإيرانية- السورية، في ظل ما شهدته سوريا منذ عام 2011 وحتى الوقت الراهن، ودور إيران في تقديم كافة أنواع الدعم المادي والعسكري والسياسي لنظام الأسد، وما يفرضه ذلك التعاون –بحسب بيان المرشد- من حتمية العمل على «بذل مزيد من الجهود المشتركة لتطوير العلاقات بين البلدين أكثر فأكثر».

زيارة أم استدعاء؟

ويثار جدل واسع بين المراقبين بشأن توصيف الحدث؛ فهل يعتبر زيارة طوعية قام بها الرئيس السوري لطهران تعبيرا عن متانة العلاقات والتحالف النوعي الذي يربط البلدين، أم أنه استدعاء من قبل المرشد الأعلى الإيراني للرئيس السوري على وقع عدة مستجدات تفرض – من وجهة النظر الإيرانية - إعادة حالة الزخم للعلاقات الثنائية بين البلدين، ودفعها إلى درجة أعلى من التنسيق والفاعلية وأحيانا أخرى الجهوزية.

وتؤكد صافيناز أحمد أن الزيارة التي لم يعلن عنها إلا بعد رجوع الأسد لدمشق تمت في ظل معطيات إقليمية ودولية استثنائية؛ فعلى مستوى ساحة الصراع في سوريا؛ لازالت إسرائيل تستهدف – على مدار السنوات الخمس الماضية – مواقع عسكرية إيرانية بهجمات صاروخية في محيط العاصمة دمشق تتمركز فيها ميليشيات الحرس الثوري، وميليشيات مسلحة أخرى تابعة لإيران أبرزها حزب الله اللبناني.

وفي ظل مستجدات الوضع الميداني على الأرض، التي تمثلت في إعادة انتشار الميليشيات الإيرانية داخل قواعد ومناطق عسكرية كانت خاضعة للإشراف الروسي داخل سوريا، أدت إلى رفع وتيرة الهواجس حيال تكريس إيران لنفوذها العسكري داخل الأراضي السورية.

الورقة السورية

وتؤكد الخبيرة الاستراتيجية أن احتمالات عدة تدفع إسرائيل إلى التلويح بإعادة توظيف «الورقة السورية» كأداة ضغط في مواجهة روسيا التي سمحت للميليشيات الإيرانية بعملية إعادة الانتشار الواسعة في وسط وجنوب سوريا، وذلك عبر الترويج لتغير ما قد يشهده الموقف الإسرائيلي من الحرب الروسية ضد أوكرانيا.

ويتيح انشغال روسيا- حليف إيران في سوريا- بالحرب ضد أوكرانيا، لإيران الفوز بالعديد من فرص الاستثمار الاقتصادي في سوريا؛ حيث حرصت روسيا دائما على ضمان استحواذ شركاتها على معظم العقود الخاصة بإعادة الإعمار لاسيما في مناطق سوريا المفيدة.

ويمكن تفسير تصريحات المرشد الإيراني بضرورة دفع العلاقات الإيرانية- السورية إلى مزيد من التنسيق والفاعلية، في ضوء متغير الحرب الروسية- الأوكرانية وتأثيره على نمط التفاعل الروسي- الإيراني في سوريا مؤخرا، بكونها تدفع إلى ضرورة استغلال الطرفين السوري والإيراني هذا «المستجد النوعي» في ترقية حالة التعاون الاستراتيجي بينهما.

التقارب العربي

وتذهب الباحثة إلى أن حالة التعثر الشديدة التي تواجه مفاوضات فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني، على وقع عثرات التفاوض من ناحية، وانشغال الأوروبيين والولايات المتحدة بالحرب في أوكرانيا من ناحية ثانية، تنعكس بوضوح على حالة تفاعلات إيران في الإقليم بصورة مباشرة، فلا يزال الجانب الإيراني مصرا على التمسك بالدور الإقليمي متعدد الجبهات، ورفضه التام لأي اتفاق يدخل هذا الدور ضمن معادلات المساومة الدولية معه.

ويعد التقارب السوري- العربي من ناحية، من ضمن الأسباب التي دعت إيران إلى إعادة تذكير النظام السوري بأهمية الحفاظ على المصالح الإيرانية، وعدم وضعها موضع مساومة داخل أي معادلات إقليمية دولية من المحتمل ظهورها على وقع حالة التغير، وما قد يرتبط بها من متغيرات على مستوى الإقليم والعالم.

وتشدد الباحثة على أن المعطيات تشير إلى تصعيد نوعي جديد، قد تمارسه طهران على مستوى ملفات انخراطها الإقليمي، استغلالا لحالة التغير المحتمل في نمط تفاعلات وبنية النظام الدولي الحالي.

دلالات الاستدعاء وفقا للباحثة
  1. التأكيد على حالة استمرار التحالف الإيراني- السوري، وصعوبة فك الارتباط بين النظامين، على أن يعزز انشغال روسيا بحربها ضد أوكرانيا، حالة البقاء والتمدد العسكري الميليشياوي الإيراني في سوريا.
  2. مخاوف إيران من وضع سوريا ضمن أوراق الضغط الدولية في مسار العلاقات المتأزمة بين روسيا وكل من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، حيث تحاول طهران إعادة رسم خريطة مصالحها الاستراتيجية، تحسبا لوضع روسيا المصالح الإيرانية في سوريا موضع مساومة دوليا.
  3. إملاءات وخطط جديدة يطرحها رأس النظام الإيراني على الأسد من أجل «التنفيذ»، يدور بعضها حول علاقات سوريا المقبلة تجاه دول الخليج وبعض الدول العربية كالعراق والأردن ومصر؛ وهي الدول التي تسعى لإعادة ربط سوريا بمحيطها العربي.