الرأي

خياران لقراءة التاريخ

مرزوق بن تنباك
يعد الماضي كله تاريخا يمر على الإنسان في طور من حياته؛ حيث يدون بعض الأحداث التي مرت به أو التي نقلت إليه بالسماع والأخبار، حتى صارت مدونات التاريخ من أهم ما يخلفه السلف للخلف، والناس يطلعون عليه فيقرؤون في تلك المدونات ما صنعته الأمم والأجيال من حكايات وقصص وروايات بعضها أو القليل منها حقيقة والكثير من صنع الخيال والأماني والرغبات، ويجدون فيما دونه أسلافهم لذة وعبرة وأخبارا ممتعة مما جعل كل أمة من الأمم تحرص على استمرار حكاية التاريخ التي يرويها من سبق لمن لحق.

في تاريخ كل أمة هناك نقطة توقف لا بد أن تقف عندها في بعض الأحوال كما تجد في بعض مراحل تاريخها نقاطا مضيئة تجعل أحداث التاريخ محطة مهمة للتأمل فيها وذلك حين تشعر الأمة بالضعف أو التراجع فتعود إلى التاريخ لعلها تجد فيه عوضا وسلوة عما تشعر به من التراجع.وقد كان للعرب والمسلمين تاريخ مشرق عظيم حققوه على مدى قرون طويلة من الزمن حين سادت الحضارة العربية والإسلامية العالم على مدى أكثر من خمسة قرون ثم أصابها العجز مثل ما أصاب غيرها من الأمم التي سبقتها سنة الله التي لن تجد لسنته تبديلا.

وحين أدرك المثقفون والأدباء تقهقر الحضارة الإسلامية والعربية وخافوا على موروثها من الضياع لا سيما بعد سقوط بغداد في يد المغول كان رد فعل المؤرخين والأدباء العرب المسلمين تدوين تاريخهم في موسوعات كبيرة خوفا من الضياع الذي أحسوا بوجوده، فكانت الموسوعات التاريخية مثل صبح الأعشى للقلقشندي ومطولات التاريخ وتراجم الرجال وشروحات الأحاديث والأخبار وغيرها التي تجمع آلاف الصفحات وعشرات المجلدات في كل الفنون التاريخية والدينية والثقافية والجغرافية وحتى في الأنساب والقبائل، وكان الدافع لذلك هو الخوف من ضياع التراث الإسلامي وقد أحسنوا أيما إحسان

في جمعه وحفظه وأصبحت مدونات التراث تصف ما كانت عليه العرب في ماضيها فصارت منبعا لا ينضب للدارسين.

ولا شك أن كل إنسان يستطيع قراءة التاريخ والاستمتاع بما خلفه العقل البشري وما أبدعه وأنتجه ويكون التاريخ وما فيه سلوته وعبرته لكن ليس هذه العبرة والسلوة نافعة له في حياته وإن ملأت عليه جنبات عاطفته وعززت ماضيه في نفسه وهو مهم أن يكون ذلك، أما الأهم للناس فهو التفكير في الحاضر الذي يعيشون والعمل للمستقبل الذي ينتظرون فالتاريخ وكل ما فيه منفصل عنهم بعيد منهم لا يمكن أن يعيدوه أو ينتفعوا منه، ولا تصدق أن التاريخ يعيد نفسه كما يقولون، التاريخ في كل أحداثه وأيامه وقضاياه وضروراته هو في حقيقته صورة خلفية لا يستطيع الإنسان أن يسير إلى الأمام ويبدع في

مسيره ويصل إلى هدفه الذي يطمح إلى الوصول له وهو ينظر إلى صورة التاريخ الذي تركه وراء ظهره.

وأمامك خياران لا ثالث لهما، إما أن تلتفت لتقرأ التاريخ وتفكر في أحداثه وتقف طويلا في مكانك لا تغادره مستمتعا بما ورثته من بطولات أسلافك وتاريخهم، أو أن تنظر إلى الأمام وتحاول أن تحدد طريقك الذي تشقه للمستقبل. مع احترامنا للتاريخ وأحداثه هناك ما هو أهم وما يجب أن تفكر فيه وهو المستقبل الذي ستصل إليه أنت والأجيال بعدك وليس التاريخ الذي تركته وراء ظهرك.

Mtenback@