مباخر التفاهة!
الثلاثاء / 9 / شوال / 1443 هـ - 22:05 - الثلاثاء 10 مايو 2022 22:05
كن تافها.. تصبح ناجحا!!
هل اختار الإعلام تلميع التفاهة؟ هل رأينا تسطيح الوعي (محمودا) ورفع منسوب الوعي (مذموما)؟ هل الانحدار إلى هاوية التجهيل هو مناط التأثير والاستحواذ على الفضاء العقلاني؟ تساؤلات شتى حيرت العقول.
البرامج الحوارية
هي (مكبرات الصوت) لقضايا المجتمع والمساهم الأول في صناعة (الرأي العام) هذا الأمر يفرض عليها مناقشة (احتياجات الناس الحقيقية) وتشكيل الوعي الصحيح تجاه المستجدات بمنظار الواقعية.
مغالطات فكرية
اترك الوظيفة تغد ثريا! عشرة عصافير على الشجرة أحسن من عصفور واحد في اليد!!
بيع السراب وأحلام الثراء السريع والتلاعب بعواطف وحماسة الشباب أمر غريب.. ما الهدف هنا؟ فما لم تكن الفكرة إبداعية حقا فلا توجد غالبا أي إمكانية لتحقيق أرباح استثنائية، مثلا (محطات البنزين وخدمات الطالب والمطاعم والكافيهات) هي -أبدا- ليست مشاريع خارقة للعادة.
من المعروف في عالم الأعمال أن هناك معدلات أرباح محددة لكل مجال أو صناعة، هذا التكثيف والتمرير المخجل لأفكار مغلوطة قد يصل إلى مرتبة المغالطة الفكرية.. خاصة إذا قام بها من يفترض بهم تعميق الوعي والإثراء المعلوماتي وتنوير الجماهير، فهل سنراوح بين الجهل المجتمعي وانعدام المسؤولية الإعلامية؟
مسرحيات عبثية
في حالة انفصال مريرة عن الواقع، حين استشاط الشعب الفرنسي غضبا لغياب الخبز قالت ملكة فرنسا ماري أنطوانيت (إذا لم يكن عندهم خبز.. فليأكلوا بسكويت)!!
حوارات مملوءة سخفا واستخفافا بعقل المشاهد الواعي، يأتي شاب من عائلة ثرية ويترك مصدر دخل مستقرا هو حلم أي شاب؛ لإنشاء مشروع ضخم من ثروة الأسرة وعلاقاتها الكبيرة وهو ليس بحاجة للوظيفة أساسا فهو ضامن للمسكن والمأكل والسيارة الفخمة، ويبيع الفكرة في أوسع نطاق ممكن للجمهور فيسقط في خندقها من شاء له حظه العاثر أن يقع في براثن التغرير، حيث الشخص الضحية لا يملك الخبرة ولا رأس المال الأساسي والاحتياطي ولا يعلم كيفية الموازنة مع الالتزامات الأسرية، والأهم أنه لا يعلم ما هي نسبة المخاطرة وهل يمكن تحملها تاليا؛ فلماذا كل هذه السيناريوهات؟ إذا أحسنا النية فالإجابة هي مجرد عبثية الأثرياء، وإذا أسأنا النية فهي استراتيجية تسويقية من البعض لمشاريعهم أو دوراتهم التدريبية، وحينها يحق لنا التساؤل: أين دور وسائل الإعلام في ترشيد وتثقيف الوعي؟
الإحصاءات
تؤكد أن أكثر من 72% من الناس في العالم يشعر بالندم إذا غادر إلى وظيفة جديدة؛ فماذا يكون الحال يا ترى إذا غادر الشاب في مقتبل تأسيس حياته إلى عمل حر حيث ينتفي أي نوع من أنواع الضمانات بالدخل الشهري الثابت؟!
العمل الحر مجال مثمر لكنه عالي المخاطرة، وقد ترتفع فيه نسبة الفشل لمن لا يكون مؤهلا بالخبرة ومدعما بالمال، كما أن التحديات التنافسية قد تجعل غالبية المشاريع في مخاض الفشل في السنة الأولى، وهذا له تبعات جسيمة كالتعثر في سداد القروض وإيقاف الخدمات وما يتبع ذلك من الأثمان النفسية والعاطفية كالإحساس بالندم أمام المجتمع وتقويض استقرار الأسرة، فهل يمتلك غالبية الشباب فائضا من الخبرات ورأس المال؟ وهل يمكن للغالبية العظمى من الأسر تحمل كل هذه المجازفات غير المحسوبة؟ وهل يمكن للمجتمع أن يصل للرفاهية إذا وقع الكثير من شبابه في مسلسل طويل من الخسائر
المادية والأذية النفسية؟ السؤال الملح هنا: لماذا يقوم الإعلام بتلميع صورة هذه النماذج؟
النماذج السلوكية
في رمضان الفضيل توقع كل امرئ منا أن يرى نخبة نتاج مجتمعنا في كل المجالات سواء في الفكرة الرئيسة للبرامج الحوارية أو الضيوف، إنما ما رأيناه كان مسيئا جدا وهابطا جدا، ولسنا بأية حال ضد حرية التعبير، إلا أن ما تم تقديمه من اختيارات صادمة أقل ما يقال عنها أنها غير ملائمة لروحانية الشهر ولا لتوقعات الغالبية الحريصة على أن تشغل أوقاتها خارج العبادات فيما يرفع من حصيلتها الثقافية، وكانت المفاجأة أن بعض الضيوف هم في عداد فئة ينفر منها ومن أفكارها وسلوكياتها أغلبية المجتمع، فمن مباهاة بالثروة والوسامة والجمال إلى قناعات متطرفة وتجارب مترفة لا
تمت إلى الواقع بصلة، السؤال: ما هي معايير الإدارات التي رشحت هؤلاء الأشخاص ليمثلوا في مركز وبؤرة الضوء على قنوات مهمة في ساعات الذروة، ولا سيما أن التلفزيون هو الجهاز الرئيس للتثقيف والترفيه لكل العائلة؟!
وما زاد الطين بلة هو أن السيئ لم يتوقف عند حدود مخاوفنا، بل إنه تجاوزها إلى مستوى خطير في السوء؛ فمنهم من لم يكتف بترك المعدل الطبيعي بالكلام، بل إنه استحضر من حياته تصرفات غير لائقة، وبدأنا نرى سلوكيات أنثوية في عالم الرجال، وسلوكيات رجالية في عالم النساء.. الانقلاب السلوكي هنا هو خروج على النص الفطري قولا وعملا، وهذا قد صنع للمشاهد استفزازا وبطريقة مرعبة؛ لأنه يهدد القيم الإنسانية وبالتالي كامل المنظومة السلوكية في المجتمع، فهل سيكون هذا أمرا يسيرا؟
بوصلة المقال
البرامج الحوارية قيمتها ليست منحصرة في مجرد المتعة والترفيه.. بل هي القوة الناعمة التي يعتمد عليها لتنمية مدارك الناس وتثقيف المجتمع، الشباب هم اليوم على أعتاب اختيار القدوة، وكل ضيف في هذه المنصات له تأثير كبير في مجتمعنا فهو يمثل للمشاهد الشاب (النموذج الجديد)، وكل منا رأى تقليد ذلك في السلوكيات المستحدثة أو سمع في الأحاديث اليومية الاستشهاد بأقوال هؤلاء الضيوف (لا.. فلان قال كذا).
الأمانة الإعلامية هي حمل ثقيل يحتم علينا التدقيق في المعايير وإحسان الاختيار لكل ضيف، وأول خصائصه أن يكون مثقفا حقيقيا.. كالتميز في أدوات الحوار ورجاحة الفكر والعمق المعرفي، وأن ترتكز شخصيته على أرضية صلبة من القيم الأخلاقية وهذا هو الأهم، ففي ظلال تحولات الحداثية فإن المجتمع في أمس الحاجة إلى الأطر الصحيحة من الأخلاق الحميدة.
فإذا كانت هذه النوافذ تفتح المجال لدخول تيار هواء فكري تتنفسه الرئة المجتمعية فهلا عدنا إلى مساراتنا الحقيقية الجميلة المزدانة بالعنبر الأزرق والعود والطيب المستكاوي الأصيل!!
@RimaRabah
هل اختار الإعلام تلميع التفاهة؟ هل رأينا تسطيح الوعي (محمودا) ورفع منسوب الوعي (مذموما)؟ هل الانحدار إلى هاوية التجهيل هو مناط التأثير والاستحواذ على الفضاء العقلاني؟ تساؤلات شتى حيرت العقول.
البرامج الحوارية
هي (مكبرات الصوت) لقضايا المجتمع والمساهم الأول في صناعة (الرأي العام) هذا الأمر يفرض عليها مناقشة (احتياجات الناس الحقيقية) وتشكيل الوعي الصحيح تجاه المستجدات بمنظار الواقعية.
مغالطات فكرية
اترك الوظيفة تغد ثريا! عشرة عصافير على الشجرة أحسن من عصفور واحد في اليد!!
بيع السراب وأحلام الثراء السريع والتلاعب بعواطف وحماسة الشباب أمر غريب.. ما الهدف هنا؟ فما لم تكن الفكرة إبداعية حقا فلا توجد غالبا أي إمكانية لتحقيق أرباح استثنائية، مثلا (محطات البنزين وخدمات الطالب والمطاعم والكافيهات) هي -أبدا- ليست مشاريع خارقة للعادة.
من المعروف في عالم الأعمال أن هناك معدلات أرباح محددة لكل مجال أو صناعة، هذا التكثيف والتمرير المخجل لأفكار مغلوطة قد يصل إلى مرتبة المغالطة الفكرية.. خاصة إذا قام بها من يفترض بهم تعميق الوعي والإثراء المعلوماتي وتنوير الجماهير، فهل سنراوح بين الجهل المجتمعي وانعدام المسؤولية الإعلامية؟
مسرحيات عبثية
في حالة انفصال مريرة عن الواقع، حين استشاط الشعب الفرنسي غضبا لغياب الخبز قالت ملكة فرنسا ماري أنطوانيت (إذا لم يكن عندهم خبز.. فليأكلوا بسكويت)!!
حوارات مملوءة سخفا واستخفافا بعقل المشاهد الواعي، يأتي شاب من عائلة ثرية ويترك مصدر دخل مستقرا هو حلم أي شاب؛ لإنشاء مشروع ضخم من ثروة الأسرة وعلاقاتها الكبيرة وهو ليس بحاجة للوظيفة أساسا فهو ضامن للمسكن والمأكل والسيارة الفخمة، ويبيع الفكرة في أوسع نطاق ممكن للجمهور فيسقط في خندقها من شاء له حظه العاثر أن يقع في براثن التغرير، حيث الشخص الضحية لا يملك الخبرة ولا رأس المال الأساسي والاحتياطي ولا يعلم كيفية الموازنة مع الالتزامات الأسرية، والأهم أنه لا يعلم ما هي نسبة المخاطرة وهل يمكن تحملها تاليا؛ فلماذا كل هذه السيناريوهات؟ إذا أحسنا النية فالإجابة هي مجرد عبثية الأثرياء، وإذا أسأنا النية فهي استراتيجية تسويقية من البعض لمشاريعهم أو دوراتهم التدريبية، وحينها يحق لنا التساؤل: أين دور وسائل الإعلام في ترشيد وتثقيف الوعي؟
الإحصاءات
تؤكد أن أكثر من 72% من الناس في العالم يشعر بالندم إذا غادر إلى وظيفة جديدة؛ فماذا يكون الحال يا ترى إذا غادر الشاب في مقتبل تأسيس حياته إلى عمل حر حيث ينتفي أي نوع من أنواع الضمانات بالدخل الشهري الثابت؟!
العمل الحر مجال مثمر لكنه عالي المخاطرة، وقد ترتفع فيه نسبة الفشل لمن لا يكون مؤهلا بالخبرة ومدعما بالمال، كما أن التحديات التنافسية قد تجعل غالبية المشاريع في مخاض الفشل في السنة الأولى، وهذا له تبعات جسيمة كالتعثر في سداد القروض وإيقاف الخدمات وما يتبع ذلك من الأثمان النفسية والعاطفية كالإحساس بالندم أمام المجتمع وتقويض استقرار الأسرة، فهل يمتلك غالبية الشباب فائضا من الخبرات ورأس المال؟ وهل يمكن للغالبية العظمى من الأسر تحمل كل هذه المجازفات غير المحسوبة؟ وهل يمكن للمجتمع أن يصل للرفاهية إذا وقع الكثير من شبابه في مسلسل طويل من الخسائر
المادية والأذية النفسية؟ السؤال الملح هنا: لماذا يقوم الإعلام بتلميع صورة هذه النماذج؟
النماذج السلوكية
في رمضان الفضيل توقع كل امرئ منا أن يرى نخبة نتاج مجتمعنا في كل المجالات سواء في الفكرة الرئيسة للبرامج الحوارية أو الضيوف، إنما ما رأيناه كان مسيئا جدا وهابطا جدا، ولسنا بأية حال ضد حرية التعبير، إلا أن ما تم تقديمه من اختيارات صادمة أقل ما يقال عنها أنها غير ملائمة لروحانية الشهر ولا لتوقعات الغالبية الحريصة على أن تشغل أوقاتها خارج العبادات فيما يرفع من حصيلتها الثقافية، وكانت المفاجأة أن بعض الضيوف هم في عداد فئة ينفر منها ومن أفكارها وسلوكياتها أغلبية المجتمع، فمن مباهاة بالثروة والوسامة والجمال إلى قناعات متطرفة وتجارب مترفة لا
تمت إلى الواقع بصلة، السؤال: ما هي معايير الإدارات التي رشحت هؤلاء الأشخاص ليمثلوا في مركز وبؤرة الضوء على قنوات مهمة في ساعات الذروة، ولا سيما أن التلفزيون هو الجهاز الرئيس للتثقيف والترفيه لكل العائلة؟!
وما زاد الطين بلة هو أن السيئ لم يتوقف عند حدود مخاوفنا، بل إنه تجاوزها إلى مستوى خطير في السوء؛ فمنهم من لم يكتف بترك المعدل الطبيعي بالكلام، بل إنه استحضر من حياته تصرفات غير لائقة، وبدأنا نرى سلوكيات أنثوية في عالم الرجال، وسلوكيات رجالية في عالم النساء.. الانقلاب السلوكي هنا هو خروج على النص الفطري قولا وعملا، وهذا قد صنع للمشاهد استفزازا وبطريقة مرعبة؛ لأنه يهدد القيم الإنسانية وبالتالي كامل المنظومة السلوكية في المجتمع، فهل سيكون هذا أمرا يسيرا؟
بوصلة المقال
البرامج الحوارية قيمتها ليست منحصرة في مجرد المتعة والترفيه.. بل هي القوة الناعمة التي يعتمد عليها لتنمية مدارك الناس وتثقيف المجتمع، الشباب هم اليوم على أعتاب اختيار القدوة، وكل ضيف في هذه المنصات له تأثير كبير في مجتمعنا فهو يمثل للمشاهد الشاب (النموذج الجديد)، وكل منا رأى تقليد ذلك في السلوكيات المستحدثة أو سمع في الأحاديث اليومية الاستشهاد بأقوال هؤلاء الضيوف (لا.. فلان قال كذا).
الأمانة الإعلامية هي حمل ثقيل يحتم علينا التدقيق في المعايير وإحسان الاختيار لكل ضيف، وأول خصائصه أن يكون مثقفا حقيقيا.. كالتميز في أدوات الحوار ورجاحة الفكر والعمق المعرفي، وأن ترتكز شخصيته على أرضية صلبة من القيم الأخلاقية وهذا هو الأهم، ففي ظلال تحولات الحداثية فإن المجتمع في أمس الحاجة إلى الأطر الصحيحة من الأخلاق الحميدة.
فإذا كانت هذه النوافذ تفتح المجال لدخول تيار هواء فكري تتنفسه الرئة المجتمعية فهلا عدنا إلى مساراتنا الحقيقية الجميلة المزدانة بالعنبر الأزرق والعود والطيب المستكاوي الأصيل!!
@RimaRabah