الرأي

فبركة العدو تم شيطنتها.. (gaslighting)

إبراهيم جلال فضلون
قدح الشرارة أو»التلاعب بالعقول» (gaslighting) مصطلح خرج من رحم مسرحية «باتريك هاميلتون» وفيلم «ضوء المصباح» عامي 1940 و1944، هو أعتى أنواع التلاعب النفسي، بزرع بذور الشك في عقل شخص أو مجموعة ما، تربك ذاكرتهم وصولا لزعزعة استقرار الضحية وتشكيكها في إيمانها، ليصل استخدام المصطلح من سياق علم النفس العلاجي والأبحاث إضافة إلى استخدامه في سياقات سياسية.

يقول المفكر الفرنسي بيار كونيزا في كتابه «فبركة العدو»، هل العدو ضروري وجوده؟ وكيف نحضّر عدوا ثم نقضي عليه، ليأتي الجواب بشيطنة العدو وإضفاء هالة إعلامية مفبركة تصفه بالخطير على الأمن القومي، بعد تحضير أو تهيئة الداخل والخارج، وتحضير الخطاب المناسب، فالدول «الديمقراطية وغير الديمقراطية»، ومراكز الأبحاث الاستراتيجية، وأجهزة الاستخبارات وكل المؤسسات ذات العلاقة بصناعة الرأي العام ارتأت كيفية «صناعة عدو» من أجل تحقيق هدف واحد هو فبركته، كونه عامل في زيادة تلاحم الأمم، وزيادة قوتها، ودعوتها لإعطاء الأهمية لقطاع الصناعات العسكرية، وإيهام العالم بأن «العدو القريب»، وكأننا بحاجة إلى الآخر كي نكوّن الذات، حتى ولو كان هذا الآخر هو الجحيم في حد ذاته، وفق قول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، وهو ما وجدناه وليد الحرب العالمية الثانية، بإنتاج هوليوود أفلام تشيطن العدو الياباني.

وتلك الصورة العربية حاليا؛ فقد درس وحلل الكاتب الأمريكي من أصل لبناني جاك شاهين، حوالي ألف فيلم هوليوودي، واستنتج سعيها دائما إلى شيطنة صورة العربي في أفلامها (هو دائما الشرير)، كما سماها بوش الابن «محور الشر».

وفي عصرنا الحالي دخل علينا اليوم عصر «العدو الإعلامي»، التي أثارت الحروب بدورها منذ القرن التاسع عشر والترويج لها حتى طالت دولنا العربية بحجج واهية كالنووي العراقي، وتشريد بلد وتفكيك سوريا كمثال أقرب، كما نعت بوتين حكّام أوكرانيا بـ«النازيين»، لما لهذه التسمية من وقع سلبي في الذاكرة الجماعية الروسية، ومحاولاته محو أوكرانيا كدولة، حتى حاول الدخول إلى عقول الأوكرانيين لإقناعهم بأن بلدهم مجرد وهم لا وجود له.

حتى وجد بوتين وجيشه الذي خسر جنرالاته الكبار إلى حائط مسدود؟.. وتلك «مذبحة بوتشا» نجدها في الميزان الروسي: «فبركة مقصودة»، فهل كان يرضى بها الشعب الروسي المُغيب؟.. والتي شابهت مذابح الحرس الثوري وحزب الشيطان في العراق وسوريا ولبنان المدمرين، بل وأفاعيل الحوثيين بأهل اليمن، لولا فضل الله علينا بقوتنا الخليجية بقيادة سعودية عربية.

فالفبركة ليست كذبة مزيفة كبرى بل هي ظاهرة مؤكدة في التاريخ، لكن تم شيطنتها في عصرنا الحالي وفق الأهواء التي جُردت من اللا إنسانية.