الرأي

«أبنائي الأعزاء.. شكرا»

زيد الفضيل
من منا (وأقصد جيلي) لا يذكر الفنان الراحل عبدالمنعم مدبولي وفريق العمل الذهبي الذين شاركوه تقديم حلقات مسلسل «أبنائي الأعزاء.. شكرا» وكان منهم يحيى الفخراني، وصلاح السعدني، وفاروق الفيشاوي، وآثار الحكيم، وفردوس عبدالحميد، وحسن عابدين، وغيرهم من رموز الفن المصري الذين أبدعوا في ذلك المسلسل الاجتماعي الحاكي لقصة (بابا عبده)، ذلك الذي تجاوز الستين وأحيل للمعاش ليكتشف حقائق مختلفة عن أبنائه، أورثته الحزن على عمر خشي أنه ضاع في تربيتهم، ووقت استهلك في تلبية رغباتهم، ثم إذا احتاج إليهم لم يجدهم، والأسوأ أنه شعر بغربة بينهم، وأنه يحتاج إلى التعرف عليهم من جديد، وفي المقابل يكتشف الأبناء مع توالي الحلقات بأنهم قد ابتعدوا عن أبيهم كثيرا، وأنهم في حاجة إليه دائما كما يحتاج هو إليهم.

ومن منا أيضا لا يذكر مسلسل «إلى أبي وأمي مع التحية» الذي لعب البطولة فيه كل من الفنان خالد النفيسي، وحياة الفهد، وعبدالرحمن العقل، وهدى حسين، وبدر المسباح، وسحر حسين، وأسمهان توفيق، ومنصور المنصور، وغيرهم من عمالقة الفن في الكويت. وفيه ناقش العمل قضايا عائلية بأبعاد تربوية جادة تحت إشراف أساتذة التربية في جامعة الكويت، وحاولت الحلقات أن تغطي جميع سلوكيات ومشاكل الأسرة اليومية، من مشاكل الزوجين في تربية الأبناء، وعلاقة الأبناء مع والديهما، بالإضافة إلى استعراض قضايا الأبناء في جميع مراحلهم حال النشأة، والطفولة، والمراهقة.

أتذكر هذين المسلسلين اليوم وأنا أرى كيف باتت العلاقة جافة بين الأبناء وآبائهم، ولست بعيدا عنهم فأنا واحد من حزمة، وفرد من مجتمع بات يشكو قلة التوجيه والإرشاد، وصار الشيطان بمعاوله الهدامة عبر مختلف البرامج التافهة التي لا هدف منها ولا قيمة ولا معنى، هو المسيطر على وعي وإدراك كثير من شبابنا الذين تقطعت بهم السبل فباتوا غير واعين بقيمة وقدسية العلاقة مع والديهم وأهلهم للأسف الشديد.

أتذكر هذين المسلسلين وأنا أتابع ما يتم تقديمه خلال هذه السنة والسنوات الماضية من مسلسلات تلفزيونية لا تستهدف مناقشة واقعنا بهدف تقويمه بشكل درامي مهني، كما هو الحال مع النموذجين السابقين، ولا سيما المسلسل الكويتي الذي شارك في صناعة حبكته الدرامية أساتذة في التربية والسلوك من جامعة الكويت، والسؤال: أين يكمن الخلل؟

حتما فالخلل واضح للجميع، والناس تجأر بصوتها بين حين وآخر، والمشكلة ألا أحد يستجيب من المنتجين الذين استأنسوا تقديم مسلسلات تافهة تكرس لفعل الرذيلة والقطيعة وتجاوز الأدب العائلي، والغريب أننا نجد ممثلين كبارا في مشهدنا المحلي والعربي ينساقون وراء تلك الأفكار الخاوية بغية المال ولا غير، وليتهم يدركون أن المال ذاهب، والعمل باق، وهو رصيد كل فنان يحترم ذاته وجهده، ولنا في النموذجين السابقين أسوة، فكلنا نذكر الفنان الكبير عبدالمنعم مدبولي، والنجمة الراقية فردوس عبدالحميد، والفنان الكبير حسن عابدين، علاوة على الفنان النجم يحيى الفخراني، والفنان الرائع صلاح السعدني، وكذلك الفنان الكويتي المبدع خالد النفيسي، والفنانة الكبيرة حياة الفهد، وغيرهم من رموز الفن في مصر والكويت ونترحم عليهم أحياء وأمواتا، وبالتالي هل ستذكر الأجيال مستقبلا أحد فناني المرحلة المعاصرين، وأخص منهم البارزين في مشهدنا الفني المحلي حاليا؟ سؤال أتوجه به إلى كل فرد منهم بعينه، وأرجو أن يتفكر في ذلك قليلا، ليعيد وضع نفسه في المكان الذي يجب وليس الذي يتاح.

أشير في هذا السياق تأكيدا لمقالي السابق بأن الناس قد صوتوا برأيهم الصريح رفضا وتأييدا لما يقدم اليوم، فتراهم محجمين عن متابعة العديد مما يعرض وغير مبالين به، وفي الوقت ذاته تراهم يتداولون مقاطع من برامج استهوتهم وعبرت عما في نفوسهم، وأشرت في مقالي السابق إلى برنامجين وهما «علوم الأولين» على القناة السعودية، و»أنت كفو» على قناة البحرين، فهل يستوعب المسؤولون هذه الرسالة مستقبلا؟

أعود إلى أبنائي الأعزاء جميعا في وطننا وفي عالمنا بأكمله لأقول لهم ناصحا بقلب أب رحيم مشفق عليهم: تفقدوا والديكم وأهلكم وبخاصة في هذا الشهر الذي تتفتح فيه أبواب الرحمات، ولا تلهكم الدنيا عنهم بمباهجها الزائلة، كما لن يغنيكم أصحابكم عن رضاهم، وتذكروا أن الدنيا سلف ودين، وأن ما تبذرونه اليوم ستحصدونه غدا، إن خيرا فخير وإن شرا فشر. والله يحفظكم من كل مكروه.

zash113@