الرأي

العنف في شهر الرحمة

آلاء لبني
تبدو الحياة قاسية حين تنتزع الرحمة من بعض القلوب وتستبدل إلى الظلم والتعدي، العنف حين يستوطن بالأنفس ويتفشى بالمجتمعات يعرضها للخطر سواء كان حالات فردية أو ظاهرة، فهو يستحق الدراسة والبحث والتمحيص في أبعاده.. إلخ، ولا تمر مرور السحاب؛ فما تحمله ليس مطر خير بل بذور شر تنهش في بنيان المجتمع وتقوض الرفق وتنشر ثقافة العنف بروافدها التي لا تنقطع.

كم يتعرض الإنسان والطفل خاصة لجرعات العنف بشكل مباشر وغير مباشر سواء من المنزل أو المدرسة ومن الألعاب الالكترونية والمسلسلات...إلخ.

العنف كل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي، والذي يتسبب في إيذاء أو ألم أو ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي ويشمل أيضا التهديد. وضمن التعريف تقع كثير من الأحوال والحوادث والمآسي؟

فلنُقر بحصار العنف في التعامل والحوار فما يتغذى به العقل ينمو.

هل نعتقد مكوث أحدهم ساعات طويلة في قيادة حروب وقتل وأسلحة أمرا يمر بلا تأثير؟، أو مشاهدة مسلسلات العنف حلقات طوال أو فيلم 3 ساعات وينتصر الخير بعد آلاف من مشاهد العنف، صدقا لن يمر بلا تأثير، ونكون غير واعين، فإن تراكم تكرار أمر ما وفعله يجعله عادة ويؤثر بشكل خفي وظاهر.

حتى في العبادات تكرارها يجعلها عادة طيبة لا يستطيع الإنسان تركها كالصلاة.

العقل والعين لا يفرقان بين الخيال والواقع فهما يتأثران ويستجيبان بشكل طبيعي.

والأمر الآخر، التعامل بعنف سواء لتأديب الأبناء أو الطلاب وخلافه، سواء كان جهلا بالأسس وبالضرر الناتج عنها، أو اعتباره الأسلوب الأكثر ضبطا، أو كان عنفا مقصودا للتقليل وإظهار السيطرة، أو سلوكا عدوانيا مرضيا وما إلى ذلك.

العنف ينتقل فلا يكون أسلوب تعامل من الأهل أو المعلم أو المدير والإدارة، نحتاج لعدوى الأخلاق الحميدة. قال المصطفى -عليه السلام- «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه»، والعنف والتنمر بين الأقران ظاهرة لها مسببات عدة ودوافع تنمر البعض لإظهار السيطرة أو التفريغ من الغضب.. إلخ.

شهر الرحمة والرضوان شهر التراحم والقربى والرفق وحسن الخلق وكظم الغيظ، شوهد فيه حوادث عنف تتنافى مع كل ما يحث به رب الأكوان من خلق وما يربينا عليه رمضان فهو تربية للروح.

آخرها وفاة طالب -رحمه الله وأسكنه الجنة- إثر شجار في مدرسة فقدنا روحا بسبب تزايد التنمر والعنف بين الأقران، بزمن كورونا والدراسة عن بعد كثير من مشاكل الطلاب الحقيقية كانت بالأدراج، واليوم عودتهم تحتاج لترتيب الأوليات وإعادة إكساب الطلاب مهارة التعاون والتعامل مع الأقران بشكل سوي، نحتاج برنامج إنقاذ للمدارس من خطر تفشي ظاهرة العنف لفظيا ومعنويا، ومن استخدام اليد ووقف اعتبار التجمهر على مضاربة كالتجمهر على مشاهدة كرة قدم بحماسها!

الروح الغالية التي فقدت بنهار رمضان يجب أن تكون سببا ونقطة تغيير.

نحتاج أن يقف الأغلبية لوقف واستنكار العنف والتنمر وليس المشاركة بالتعدي، تنمية الشعور بالرفق واللين وحسن التعامل وإيجاد النماذج التربوية والقدوات دون إغفال الضبط والمراقبة، ووضع الكاميرات لن ينهي المشكلة لكن بوجود عين الرقيب سيحد منها وهي ضرورة وليست ترفا.

للعنف والتنمر مراحل منها القتل المعنوي والاستهزاء والمهاجمة لفظيا وبدنيا، كم مرة تمت مهاجمة طالب وتكالبت عليه مجموعة فصمت أو لم يجد حسن تصرف من قبل من لجأ إليهم من المدرسة أو حتى ذويه.

همسة للمعلم.. هل تعلم أن الطلاب الذين يتعرضون للتنمر وجودك يمثل الأمان لهم!

يشجع السكوت على استمرار الاعتداءات وزيادة شدتها، وقد -لا سمح- الله يؤثر في السلامة الجسدية والنفسية والعقلية للطفل ومستقبله، والكل شركاء في الحل، الأهل، المدرسة، البرامج التربوية النفسية المدروسة ومواجهتها وليس السكوت عنها والتركيز على المسامحة والعفو.

الأصل في البحث عن كيفية منع تكرار المآسي بوضع الضوابط والحلول وتقوية وتفعيل لائحة السلوك، والتزام الإدارة بعدم ترك الطلاب بمفردهم بجميع الأوقات وشغل أوقاتهم بما هو أهم من التنمر وأكثر جذبا لهم.

وغض الطرف عن هذه المشاكل يفاقمها ولا يحلها، كم من طفل وطالب يعاني العنف ويصمت عن الأذى ويكره المدرسة والذهاب إليها!

ما يستغرب طريقة تناول مثل هذه القضية حتى مع فقد روح بريئة، وكأنها طيف يجب أن يمر دون وضع الأمور في نصابها من الأهمية سواء بالإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي، للأسف بعض الأفراد قاموا بالتبرير المقصود وغير المقصود! وإطلاق كلمة لعب! وآخر يتكلم عن التقليل من أهمية طرح الموضوع بقوة؛ لأنه لا يشكل قضية! حتى لو أنها حالات فردية شاذة يجب أن تجد أهمية في تحليل وحصر أعدادها ومسبباتها.. إلخ، مع أن العنف مشكلة لا تغيب أبدا عن ذهن أي طالب.

اختلط اليوم الحابل بالنابل وغابت الحكمة. ونجد العنف انتشر كركن ركين وفي الأغلب معظم من يمارسونه لا يعون ذلك بل يجدون لأنفسهم مبررا، فمثلا تجد مربية تعنف أبناءها أو معلما يعنف طلابه بحجة أنهم مزعجون أو أنه الأسلوب الأنجع!

أي معنف سيجد مبررا لنفسه بخلاف درجة وأسلوب ونوع وشدة التعنيف.

AlaLabani_1@