الرأي

حول روسيا وعلم المستقبليات

عبدالله العولقي
في الأكاديميات الغربية نجد التنافس على أشده تجاه فاعلية الأقسام العلمية المتخصصة بعلوم المستقبليات والتنبؤ FUTURLOGY، وهو عملية بناء افتراضيات مستقبلية بناء على دراسات علمية وحسابات دقيقة تعرف بعناصر المخاطرة، فالتغير المتسارع الذي نلحظه اليوم في علوم التقنية وتدافع الاختراعات والمستكشفات العلمي أعطى علم التنبؤ والمستقبليات آفاقا واسعة في دراسات علوم الاجتماع والسياسة، كما تستخدم اليوم آليات الذكاء الاصطناعي في تطوير عمليات هذا العلم.

في السابق كان علم المستقبليات يعتمد على قدرات المفكرين بالتنبؤ، ويعد المفكر الأمريكي «ألفين توفلر» أحد أشهر علماء المستقبليات في التاريخ الحديث، ويحسب له تنبؤه الشهير بتفكك جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وقد بنى أطروحاته بناء على مقارنته بقدرات الغرب على مجاراة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية وعجز النظام الشمولي عن ذلك، الأمر الذي جعل سياسة الولايات المتحدة تدرك هذه الثغرة وتتجه إلى فكرة سباق التسلح مع موسكو بما عرف حينها بحرب النجوم، وهذا أحد الأسباب الجوهرية في هزيمة النظام السوفيتي، وبعدها ارتفعت شعبية توفلر وزادت أهميته في الأوساط العلمية لا سيما أنه أعطى بعدا مهما لعلم المستقبليات والتنبؤ.

في القرن التاسع عشر تنبأ الفيلسوف الروسي «نيكولاي فيودوروف» بوجود حياة أخرى خارج كوكب الأرض، وعلى الرغم من صعوبة إثبات هذا التنبؤ الخيالي إلا أن كتابات فيودوروف كان لها صدى عميق في نفوس العلماء الروس، فقد ألهم خياله الخصب مهندسي وعلماء موسكو إلى اقتحام مجال الصواريخ التي أصبحت روسيا ولازالت من أهم دول العالم في هذا المجال.

عودة روسيا هذه الأيام إلى واجهة الساحة الدولية كقوة منافسة عالميا أعادنا إلى قراءة تنبوئية قديمة؛ ففي القرن التاسع عشر أيضا قدم المفكر الفرنسي «الكسيس دي توكفيل» قراءة مستقبلية عن تراجع أهم قوتين في العالم آنذاك بريطانيا وفرنسا، وقد أكد حينها أن القرن العشرين سيشهد بزوغ نجم قوتين عالميتين هما الولايات المتحدة وروسيا، وقد بين أن روسيا هي الدولة الوحيدة المؤهلة للتنافس مع أمريكا على قيادة العالم، وبعد الحرب العالمية الثانية أشادت الأوساط العلمية في أوروبا بقدرات توكفيل التنبؤية ودقتها في قراءة المستقبل، أما بنود قراءته التنبؤية فقد استندت إلى دور العوامل الجغرافية في قيام وأفول الحضارات، وأن هذين العاملين يتوفران بقوة لدى موسكو وواشنطن.

وفي الختام.. هل تنبأ الروس اليوم بميلاد مستقبل جديد للعالم خصوصا بعد ظهور قوى عالمية على الخارطة كالصين والهند وأن الوقت قد حان لمواجهة الغرب وفرض الواقع الروسي على الخارطة الجديدة ومهما كلف ذلك من ثمن، أم أن تنبؤات المفكر الفرنسي «توكفيل» لا تزال واقعا مفروضا حتى الآن؟ فالحرب التي تدور رحاها اليوم لا تتعلق في جوهرها بأوكرانيا، وإنما هي صراع جغرافي استراتيجي بحت بين روسيا الأوراسية وأمريكا الأطلسية.

@Albakry1814