الرأي

مشاهدة التلفزيون الذي لا يدهشنا!

شاكر أبوطالب
يُعد شهر رمضان الموسم السنوي الأبرز للإنتاج التلفزيوني بجميع مصنفاته، ليس فقط في المملكة، بل على المستوى الخليجي والعربي على أقل تقدير.

وفي هذا الموسم تتنافس القنوات التلفزيونية للحصول على حصة من سوق المشاهدة، من خلال خطة برامجية تتضمن مسلسلات وبرامج متنوعة المحتوى.

وتزداد التنافسية بين القنوات التلفزيونية على فترات الذروة أو الأوقات الذهبية للمشاهدة، التي يتسابق عليها المعلنون بدورهم لتسويق خدماتهم أو منتجاتهم، وليس خافيا أن المشاهد هو المستهدف الحقيقي والمشترك، ويمثل المنتج النهائي الذي تبيعه القنوات التلفزيونية للمعلن، لجمع أكبر قدر ممكن من الإيرادات الإعلانية، من أجل تعظيم العوائد الربحية وقبل ذلك تغطية تكاليف الإنتاج.

ومع تراكم التجارب الإنتاجية بمرور السنين، وفي ظل التحولات الفريدة التي شهدتها المملكة، فإن الأعمال التلفزيونية المحلية، والإنتاج السعودي المشترك مع قنوات خليجية وعربية، لم تقترب هذه الأعمال من القضايا الوطنية ذات الأولوية بالمستوى المأمول، ومعظمها غير قادرة على تجسيد واقعنا المتطور أو مستقبلنا الطموح، إذ يواصل الإنتاج التلفزيوني تأخره عن مسايرة الأحداث العظيمة والمنجزات النوعية التي تحققت على جميع الأصعدة، خاصة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

فعلى سبيل المثال؛ لماذا تعزف صناعة التلفزيون لدينا عن قصص الشرف والشجاعة التي سطرها جنودنا في دفاعه عن وطنه، فكل تلك التضحيات لم تحرك ساكنا في الوسط الفني لإنتاج أعمال وثائقية أو درامية أو سينمائية تتناول قصص الشهداء وترسخ حيواتهم في ذاكرة المجتمع الحالي والأجيال القادمة، ورواية كيف عاش هؤلاء الأبطال وقدموا أرواحهم فداء للوطن.

وكذلك تجاهل حكايات قواتنا العسكرية التي تواصل التصدي للاعتداءات على بلادنا، سواء تدمير الصواريخ البالستية أو الطائرات المسيرة التي يرسلها وكلاء إيران في المنطقة للإضرار بأمن مجتمعنا ومنشآتنا الحيوية. ولا أتحدث هنا عن مشهد يتيم تزاحمه موضوعات أخرى، ولا عن حلقة واحدة في عمل درامي أو وثائقي.

ولم تنجح كثير من الأعمال التلفزيونية في ترجمة مشاهد التحول التي يمر بها الوطن والمجتمع تحت مظلة (رؤية السعودية 2030) التي أطلقتها قيادتنا الرشيدة، وتواصل الإشراف على تنفيذ برامجها ومبادراتها ومشروعاتها، من خلال جيل شاب من أبناء وبنات الوطن، وإبراز ملامح التحول والتطور، وتوثيق المنجزات المتحققة، وترسيخ مسيرة الرؤية في الذاكرة الفردية والجمعية.

لا شك أن الإنتاج الوثائقي والدرامي المجسد لمرحلة زمنية تم خلالها اختطاف الحياة الطبيعية للمجتمع السعودي، والتكلفة الضخمة التي دفعها الوطن والمواطن لعقود، نتيجة انتشار الفكر المتطرف الذي حجم كل القدرات، ووأد الأحلام لصناعة مستقبل أفضل، لا شك أن إبراز ذلك وثائقيا ودراميا أمر مهم، لكن الأهم من ذلك هو التركيز على الواقع الجديد الذي صنع فقط خلال سنوات قليلة، وتجسيده في أعمال وثائقية أو درامية ذات محتوى عميق وقيم، يترك أثرا مستمرا في الوجدان المجتمعي.

فالواقع يؤكد بأن لدينا منصات إعلامية ضخمة، في مقدمتها قنوات هيئة الإذاعة والتلفزيون، ومجموعتي إم بي سي وروتانا، ونمتلك الموارد المالية الكافية لإنتاج أعمال تلفزيونية عالية المحتوى والمهنية والتقنية، ويوجد عدد من مؤسسات الإنتاج المستقلة والقادرة على الإسهام بفاعلية في هذا الجانب، ويسبق ذلك كله امتلاك جيل طموح وواعد من الشباب البارعين والمبادرين في مختلف مجالات الصناعة التلفزيونية والسينمائية.

وما يحتاجه الوطن في الوقت الراهن هو تحفيز القيادات الحالية نحو مزيد من الابتكار والإبداع، واستكشاف القيادات الشابة الخلّاقة، القادرة على الاستثمار الأمثل لكل المقومات والقدرات والأدوات والتقنيات، وتوظيفها كما ينبغي لصناعة أعمال وثائقية ودرامية وسينمائية تعبّر عنّا، ونجد فيها واقعنا المتفرد، وتليق بمكانة وطننا وريادته في المنطقة والعالم.

shakerabutaleb@