الرأي

الغرب.. أزمة في الأخلاق والمبادئ

عبدالله العولقي
خلال ظروف الأزمة الأوكرانية الحالية، تداولت بعض وسائل التواصل الاجتماعي صورة للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وهو يحمل نسخة من كتاب سقوط الغرب، هذه الدلالة قد لا تقصد معنى السقوط السياسي بالمفهوم المتداول بقدر ما تتضمنه من فكرة انكشاف وتعري القيم الغربية تجاه تعاملاتها مع الآخر، فقد أفرزت أحداث أوكرانيا أجواء تتسم بالضبابية والتناقضية تجاه حقيقة مبادئ الغرب وأخلاقه ومفاهيم حضارته!!

فبالرغم من سقوط ورقة الديمقراطية وانكشاف لعبتها السياسية إلا أن بعض مفكري الغرب لا يزالون أسرى لتلك المفاهيم التي تجاوزها واقع تعدد القطبية الدولية الحالي، فهذا المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما يفسر أحداث أوكرانيا الحالية بأنها جزء من مراحل انتشال الغرب من حالة الذعر التي انتابتهم حول تراجع الديمقراطية في العالم.

موقف آخر أثار صدمة في الأوساط الثقافية الغربية للمفكر الأمريكي توماس فريدمان، وهو كاتب يصنف من العيار الثقيل في الصحافة الأمريكية، والذي طالب حكومة سويسرا بطرد الأطفال الروس من مدارسهم كجزء من منظومة العقوبات الاقتصادية ضد موسكو!! حتى سويسرا نفسها والتي عرفت تاريخيا بحياديتها السياسية وبعدها عن المشاحنات الأوروبية والدولية، باعتبارها ملجأ للأموال والثروات، تخلت عن مبادئ الحياد وانضمت إلى الحلف الغربي، وقررت تجميد أصول البنوك الروسية وثروات رجال الأعمال الروس.

هذه المفارقة والازدواجية في المعايير لا تتعلق بالغرب نفسه فحسب، فحتى الطرف الآخر وهو روسيا له مواقف عجيبة تجاه ازدواجية المعايير، ففي عام 2008م، رفضت موسكو الاعتراف بجمهورية كوسوفو، واعتبرت الحادثة انفصالا غير شرعي عن الجمهورية الصربية، وفي صورة مناقضة، اعترفت موسكو قبل مدة يسيرة باستقلال الانفصاليين في شرق أوكرانيا، في دونيتسك ولوغانسك عن الوطن الأم، واعتبرت الحادثة شرعية تماما!!

وفي الختام.. لابد من الإشارة تاريخيا إلى أجواء النصر الغربي عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، والتي أعقبها تفصيل الهيئات والمنظمات الدولية على مقاييس الحضارة والثقافة الغربية، وأن الغرب بعدها قد تفوق إعلاميا بتحويل مفاهيم الحضارة الغربية إلى معايير للإنسانية والحضارة، لكن العقود الأخيرة كشفت حقيقة تلك المعايير وازدواجيتها، وأن الظروف والمصالح السياسية هي معايير الغرب الفعلية، فبمجرد تبدل الأحداث والوقائع نجد أن كل تلك القيم قد تلاشت في مهب الريح، فقد خلقت الأوضاع الحالية أجواء من ضبابية المفاهيم وتشوه المصطلحات، فهل أسقطت الأزمة الأوكرانية آخر أقنعة المبادئ الغربية؟ أم أن هذه الأحداث قد تعيدنا للتفكير مرة أخرى، ماذا تخبئ لنا الحضارة الغربية من تناقضات ومفاهيم جديدة؟!

@albakry1814