بداية التطرف.. إحباط وعزلة
الجمعة / 9 / ذو القعدة / 1437 هـ - 21:45 - الجمعة 12 أغسطس 2016 21:45
ترجم الدكتور غازي القصيبي رحمه الله كتاب المؤمن الصادق لإيريك هوفر لإيصال رسالة للقراء والباحثين والمهتمين بشأن التطرف بأن أساس الفرد المتطرف شخص محبط فقد ثقته بنفسه وبمن حوله، ولم يعد هناك ما يعيش من أجله. قد تنطبق هذه الشروط على الفقير والغني والمثقف وقليل العلم والمراهق الأعزب ورب الأسرة والفنان على حد سواء. فما يجذب الفرد المحبط للحركة المتطرفة ليس رغبته بتطوير نفسه بقدر ما هي رغبته في التخلص منها. حين يجد الإنسان أن حياته بلا معنى ولا هدف يحاول أن يبحث عن هدف مقدس أسمى من حياته ككل من أجل أن يضحي بروحه البائسة من أجله. داعش تغذي هذا الشعور في استقطاب أفرادها المحبطين الذين يؤمنون بأن الحاضر غير قابل للإصلاح وأن لا مستقبل مشرق يلوح بالأفق.
يتبع الإحباط العزلة التي تجعل الفرد في منأى عن الجميع حتى أسرته. ولأن الكيان المترابط والقوي الذي توفره الأسرة القريبة والممتدة يحصن الأفراد إلى حد ما عن الانجذاب للتطرف عمدت هذه الحركات لفك هذا الترابط ومن ثم التغلغل داخله. حين يؤمن الفرد بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم «ففيهما فجاهد» و»خيركم خيركم لأهله» تكون هذه قضيته المقدسة وما سواها قضايا خاسرة. حين ينصهر الفرد في الجماعة يتناسى إحباطه الفردي وتخف بذلك حدة انجذابه للحركة المتطرفة. حين يصبح الكيان الاجتماعي هشا وغير مترابط يبحث الإنسان بنفسه عن كيان أكثر ترابطا حتى تندمج روحه المهشمة في روح الجماعة المتأججة.
الأسرة هي نواة الإصلاح الأولى والأكثر أهمية، ومنها الطريق للحل والطريق للوقاية. امنحوا أبناءكم الأمل وأخبروهم أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، لا تسفهوا أحلامهم وامنحوهم الثقة بأنفسهم لتحقيقها، وثقوا عراكم وعراهم بالأسرة والأرحام والجيران ووفروا لهم المجتمع المترابط الذي يحصنهم من كل ساحب وناعق ومن كل ما هو باطل.
للمجتمع والدولة والشركات والمؤسسات بشقيها الخاص والعام دور كبير يسهم في رفع الإحباط من خلال خلق فرص تمكن كل فرد من أن يجد سبيله للبذل والعطاء ولعمارة الأرض. القلق من المستقبل أكبر هاجس، وقلة الفرص التعليمية والوظيفية والتجارية والمهنية والفنية أكبر عائق أمام الفرد ليبرز ويتقدم ويشعر بالأهمية وبالانتماء للمجتمع. خلق الفرص لوحده ليس كفيلا بحل مشاكل البطالة الموجودة المسببة للإحباط، بل لا بد من التوعية بها وبتنوعها وتوسيع المجالات وتعزيزها ليصبح لكل شخص فرصة حقيقية بغض النظر عن تحصيله العلمي وخبرته العملية. لا بد للمجتمع كذلك من أن يرحب بالجميع ويقبل بالجميع، كل له دور وكل مساهم مهما قلت أو عظمت تلك المساهمة. دعوا عنكم الخيار الأوحد، فليس الكل بقادر على تحقيق شروط الجامعات المعجزة، وليس شرطا أن يربط النجاح فقط بالتحصيل العلمي -على الرغم من أهميته- فللنجاح طرق كثيرة لا تقل أهمية عن التحصيل العلمي فيجب على المجتمع ألا يحجر واسعا.
لا يزال سلوك المتطرف وتفسير التطرف بحاجة لمزيد من البحث العميق والرصين ويجدر بباحثي علم النفس والاجتماع ألا يغفلوا عن ذلك، كما يجدر بالدولة أن تمكن مثل هؤلاء الباحثين من الوصول لبيانات بعض المتطرفين من تحقيقات ومستندات حتى يتمكنوا من تفسير مثل هذه الظاهرة ولتفادي حصول شبيهاتها في المستقبل. نتائج مثل هذه الدراسات لا بد أن تكون معلنة للجميع حتى يتمكن كل أب وأم وأخ وأخت وزوج وزوجة وكل شخص في هذا المجتمع أن يسهم في الوقاية، وأن يسهم في العلاج.
المحبطون كثر وهم على شفا جرف هار، وتقع المسؤولية على عاتق الجميع لمساعدتهم في استعادة أنفسهم قبل أن يقع ما لا تحمد عقباه.